المسألة الأولى : قيل هم الذين يتبعونكم لينالوا من فضل طعامكم، ولا حاجة بهم إلى النساء، لأنهم بله لا يعرفون من أمرهن شيئاً، أو شيوخ صلحاء إذا كانوا معهن غضوا أبصارهم، ومعلوم أن الخصى والعنين ومن شاكلهما قد لا يكون له إربة في نفس الجماع ويكون له إربة قوية فيما عداه من التمتع، وذلك يمنع من أن يكون هو المراد. فيجب أن يحمل المراد على من المعلوم منه إنه لا إربة له في سائر وجوه التمتع، إما لفقد الشهوة، وإما لفقد المعرفة، وإما للفقر والمسكنة، فعلى هذه الوجوه الثلاثة اختلف العلماء. فقال بعضهم هم الفقراء الذين بهم الفاقة، وقال بعضهم : المعتوه والأبله والصبي، وقال بعضهم : الشيخ، وسائر من لا شهوة له، ولا يمتنع دخول الكل في ذلك، وروى هشام بن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة "أن النبي صلى الله عليه وسلّم دخل عليها وعندها مخنث فأقبل على أخي أم سلمة فقال يا عبد الله إن فتح الله لكم غداً الطائف دللتك على بنت غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان" فقال عليه الصلاة والسلام :"لا يدخلن عليكم هذا" فأباح النبي عليه الصلاة والسلام دخول المخنث عليهن حين ظن أنه من غير أولى الإربة، فلما علم أنه يعرف أحوال النساء وأوصافهن علم أنه من أولى الإربة فحجبه، وفي الخصى والمجبوب ثلاثة أوجه : أحدها : استباحة الزينة الباطنة معهما والثاني : تحريمها عليهما والثالثة : تحريمها على الخصى دون المجبوب.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٧١
المسألة الثانية : الإربة الفعلة من الأرب كالمشية والجلسة من المشي والجلوس والأرب / الحاجة والولوع بالشيء والشهوة له، والإربة الحاجة في النساء، والإربة العقل ومنه الأريب.
المسألة الثالثة : في ﴿غَيْرِ﴾ قراءتان قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر غير بالنصب على الاستثناء أو الحال يعني أو التابعين عاجزين عنهن والقراءة الثانية بالخفض على الوصفية وثاني عشرها : قوله تعالى :﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الطفل اسم للواحد لكنه وضع ههنا موضع الجمع لأنه يفيد الجنس، ويبين ما بعده أنه يراد به الجمع ونظيره قوله تعالى :﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا﴾ (الحج : ٥).
المسألة الثانية : الظهور على الشيء على وجهين : الأول : العلم به كقوله تعالى :﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ﴾ (الكهف : ٢٠) أي إن يشعروا بكم والثاني : الغلبة له والصولة عليه كقوله :﴿فَأَصْبَحُوا ظَـاهِرِينَ﴾ (الصف : ١٤) فعلى الوجه الأول يكون المعنى أو الطفل الذين لم يتصوروا عورات النساء ولم يدروا ما هي من الصغر وهو قول ابن قتيبة، وعلى الثاني الذين لم يبلغوا أن يطيقوا إتيان النساء، وهو قول الفراء والزجاج.
المسألة الثالثة : أن الصغير الذي لم يتنبه لصغره على عورات النساء فلا عورة للنساء معه، وإن تنبه لصغره ولمراهقته لزم أن تستر عنه المرأة ما بين سرتها وركبتها، وفي لزوم ستر ما سواه وجهان : أحدهما : لا يلزم لأن القلم غير جار عليه والثاني : يلزم كالرجل لأنه يشتهي والمرأة قد تشتهيه وهو معنى قوله :﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ ﴾ واسم الطفل شامل له إلى أن يحتلم، وأما الشيخ إن بقيت له شهوة فهو كالشاب، وإن لم يبق له شهوة ففيه وجهان : أحدهما : أن الزينة الباطنة معه مباحة والعورة معه ما بين السرة والركبة والثاني : أن جميع البدن معه عورة إلا الزينة الظاهرة، وههنا آخر الصور التي استثناها الله تعالى، قال الحسن هؤلاء وإن اشتركوا في جواز رؤية الزينة الباطنة فهم على أقسام ثلاثة، فأولهم الزوج وله حرمة ليست لغيره يحل له كل شيء منها/ والحرمة الثانية للابن والأب والأخ والجد وأبي الزوج وكل ذي محرم والرضاع كالنسب يحل لهم أن ينظروا إلى الشعر والصدر والساقين والذراع وأشباه ذلك، والحرمة الثالثة هي للتابعين غير أولي الإربة من الرجال وكذا مملوك المرأة فلا بأس أن تقوم المرأة الشابة بين يدي هؤلاء في درع وخمار صفيق بغير ملحفة، ولا يحل لهؤلاء أن يروا منها شعراً ولا بشراً والستر في هذا كله أفضل، ولا يحل للشابة أن تقوم بين يدي الغريب حتى تلبس الجلباب، فهذا ضبط هؤلاء المراتب.
جزء : ٢٣ رقم الصفحة : ٣٧١


الصفحة التالية
Icon