﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَـا اـاِكَةُ صَفًّا ﴾ (النبأ : ٣٨) ثم نقول لا شك أن هذه الأنوار الحسية إن كانت سفلية كانت كأنوار النيران أو علوية كانت كأنوار الشمس والقمر والكواكب، وكذا الأنوار العقلية سفلية كانت كالأرواح السفلية التي للأنبياء والأولياء أو علوية كالأرواح العلوية التي هي الملائكة، فإنها بأسرها ممكنة لذواتها والممكن لذاته يستحق العدم من ذاته والوجود من غيره، والعدم هو الظلمة الحاصلة والوجود هو النور، فكل ما سوى الله مظلم لذاته مستنير بإنارة الله تعالى وكذا جميع معارفها بعد وجودها حاصل من وجود الله تعالى، فالحق سبحانه هو الذي أظهرها بالوجود بعد أن كانت في ظلمات العدم وأفاض عليها أنوار المعارف بعد أن كانت في ظلمات الجهالة، فلا ظهور لشيء من الأشياء إلا بإظهاره، وخاصة النور إعطاء الإظهار والتجلي والانكشاف، وعند هذا يظهر أن النور المطلق هو الله سبحانه وأن إطلاق النور على غيره مجاز إذ كل ما سوى الله، فإنه من حيث هو هو ظلم محضة لأنه من حيث إنه هو عدم محض، بل الأنوار إذا نظرنا إليها من حيث هي هي فهي ظلمات، لأنها من حيث هي هي ممكنات، والممكن من حيث هو هو معدوم، والمعدوم مظلم. فالنور إذا نظر إليه من حيث هو هو ظلمة، فأما إذا التفت إليها من حيث أن الحق سبحانه أفاض عليها نور الوجود فبهذا الاعتبار صارت أنواراً. فثبت أنه سبحانه هو النور. وأن كل ما سواه فليس بنور إلا على سبيل المجاز. ثم إنه رحمه الله تكلم بعد هذا في أمرين : الأول : أنه سبحانه لم أضاف النور إلى السموات والأرض ؟
وأجاب فقال قد عرفت أن السموات والأرض مشحونة بالأنوار العقلية والأنوار الحسية/ أما الحسية فما يشاهد في السموات من الكواكب والشمس والقمر وما يشاهد في الأرض من الأشعة المنبسطة على سطوح الأجسام حتى ظهرت به الألوان المختلفة، ولولاها لم يكن للألوان ظهور بل وجود، وأما الأنوار العقلية فالعالم الأعلى مشحون بها وهي جواهر الملائكة والعالم الأسفل / مشحون بها وهي القوى النباتية والحيوانية والإنسانية وبالنور الإنساني السفلي ظهر نظام عالم السفل كما بالنور الملكي ظهور نظام عالم العلو، وهو المعنى بقوله تعالى :﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الارْضِ﴾ (النور : ٥٥) وقال :﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الارْضِ ﴾ (النمل : ٦٢) فإذا عرفت هذا عرفت أن العالم بأسره مشحون بالأنوار الظاهرة البصرية والباطنية العقلية، ثم عرفت أن السفلية فائضة بعضها من بعض فيضان النور من السراج فإن السراج هو الروح النبوي، ثم إن الأنوار النبوية القدسية مقتبسة من الأرواح العلوية اقتباس السراج من النور، وأن العلويات مقتبسة بعضها من بعض وأن بينها ترتيباً في المقامات، ثم ترتقي جملتها إلى نور الأنوار ومعدنها ومنبعها الأول، وأن ذلك هو الله وحده لا شريك له، فإذن الكل نوره فلهذا قال :﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٣٩٩


الصفحة التالية
Icon