﴿وَالارْضِا مَثَلُ نُورِه ﴾ القرآن ويدل عليه قوله تعالى :﴿قَدْ جَآءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ﴾ (المائدة : ١٥) وهو قول الحسن وسفيان بن عيينة وزيد بن أسلم وثالثها : أن المراد هو الرسول لأنه المرشد، ولأنه تعالى قال في وصفه :﴿وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾ (الأحزاب : ٤٦) وهو قول عطاء، وهذان القولان داخلان في القول الأول، لأن من جملة أنواع الهداية إنزال الكتب وبعثة الرسل. قال تعالى في صفة الكتب :﴿وَكَذَالِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَـابُ وَلا الايمَـانُ﴾ (الشورى : ٥٢) وقال في صفة الرسل :﴿رُّسُلا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّة بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ (لنساء : ١٦٥) ورابعها : أن المراد منه ما في قلب المؤمنين من معرفة / الله تعالى ومعرفة الشرائع، ويدل عليه أن الله تعالى وصف الإيمان بأنه نور والكفر بأنه ظلمة، فقال :﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَه لِلاسْلَـامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّه ﴾ (الزمر : ٢٢) وقال تعالى :﴿لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِ﴾ وحاصله أنه حمل الهدى على الاهتداء، والمقصود من التمثيل أن إيمان المؤمن قد بلغ في الصفاء عن الشبهات، والامتياز عن ظلمات الضلالات مبلغ السراج المذكور، وهو قول أبي ابن كعب وابن عباس، قال أبي : مثل نور المؤمن، وهكذا كان يقرأ، وقيل إنه كان يقرأ : مثل نور من آمن به، وقال ابن عباس : مثل نوره في قلب المؤمن وخامسها : ما ذكره الشيخ الغزالي رحمه الله وهو : أنا بينا أن القوى المدركة أنوار، ومراتب القوى المدركة الإنسانية خمسة أحدها : القوة الحساسة، وهي التي تتلقى ما تورده الحوسا الخمس وكأنها أصل الروح الحيواني، وأوله إذ به يصير الحيوان حيواناً وهو موجود للصبي الرضيع وثانيها : القوة الخيالية وهي التي تستثبت ما أورده الحواس وتحفظه مخزوناً عندها لتعرضه على القوة العقلية التي فوقها عند الحاجة إليه. وثالثها : القوة العقلية المدركة للحقائق الكلية ورابعها : القوة الفكرية وهي التي تأخذ المعارف العقلية فتؤلفها تأليفاً فتستنتج من تأليفها علماً بمجهول وخامسها : القوة القدسية التي تختص بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبعض الأولياء، وتتجلى فيها لوائح الغيب وأسرار الملكوت وإليه الإشارة بقوله تعالى :
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٣٩٩


الصفحة التالية
Icon