المسألة الثانية : ظاهر قوله :﴿الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ يدخل فيه البالغون والصغار، وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد الصغار، واحتجوا بأن الكبير من المماليك ليس له أن ينظر من المالك إلا إلى ما يجوز للحر أن ينظر إليه، قال ابن المسيب : لا يغرنكم قوله :﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ ﴾ لا ينبغي للمرأة أن ينظر عبدها إلى قرطها وشعرها وشيء من محاسنها، وقال الآخرون : بل البالغ من المماليك له أن ينظر إلى شعر مالكته وما شاكله، وظاهر الآية يدل على اختصاص عبيد المؤمنين والأطفال من الأحرار بإباحة ما حظره الله تعالى من قبل على جماعة المؤمنين بقوله :﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾ (النور : ٢٧) فإنه أباح لهم إلا في الأوقات الثلاثة وجوز دخولهم مع من لم يبلغ بغير إذن ودخول الموالي عليهم بقوله تعالى :﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحُا بَعْدَهُنَّا طَواَّفُونَ عَلَيْكُم﴾ أي يطوف بعضكم على بعض فيما عدا الأوقات الثلاثة، وأكد ذلك بأن أوجب على من بلغ الحلم الجري على سنة من قبلهم من البالغين في الاستئذان في سائر الأوقات وألحقهم بمن دخل تحت قوله :﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى ا أَهْلِهَا ﴾.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٢٣
المسألة الثالثة : قوله :﴿لِيَسْتَـاْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ إن أريد به العبيد والإماء إذا كانوا بالغين فغير ممتنع أن يكون أمراً لهم في الحقيقة، وإن أريد ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ﴾ لم يجز أن يكون أمراً لهم، ويجب أن يكون أمراً لنا بأن نأمرهم بذلك ونبعثهم عليه كما أمرنا بأمر الصبي/ وقد عقل الصلاة أن يفعلها لا على وجه التكليف لهم، لكنه تكليف لنا لما فيه من المصلحة لنا ولهم بعد البلوغ، ولا يبعد أن يكون لفظ الأمر وإن كان في الظاهر متوجهاً عليهم إلا أنه يكون في الحقيقة متوجهاً على المولى كقولك للرجل : ليخفك أهلك وولدك، فظاهر الأمر لهم وحقيقة الأمر له بفعل ما يخافون عنده.
المسألة الرابعة : قال ابن عباس رضي الله عنهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث غلاماً من الأنصار إلى عمر ليدعوه فوجده نائماً في البيت فدفع الباب وسلم فلم يستيقظ عمر فعاد ورد الباب / وقام من خلفه وحركه فلم يستيقظ فقال الغلام اللهم أيقظه لي ودفع الباب ثم ناداه فاستيقظ وجلس ودخل الغلام فانكشف من عمر شيء وعرف عمر أن الغلام رأى ذلك منه فقال وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا أن يدخلوا علينا في هذه الساعات إلا بإذن ثم انطلق معه إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم فوجده قد نزل عليه ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَسْتَـاْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ فحمد الله تعالى عمر عند ذلك فقال عليه السلام وما ذاك يا عمر ؟
فأخبره بما فعل الغلام فتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلّم من صنعه وتعرف اسمه ومدحه، وقال : إن الله يحب الحليم الحي العفيف المتعفف، ويبغض البذيء الجريء السائل الملحف" فهذه الآية إحدى الآيات المنزلة بسبب عمر. وقال بعضهم : نزلت في أسماء بنت أبي مرثد قالت إنا لندخل على الرجل والمرأة ولعلهما يكونان في لحاف واحد، وقيل دخل عليها غلام لها كبير في وقت كرهت دخوله فيه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فنزلت الآية.
المسألة الخامسة : قال ابن عمر ومجاهد قوله :﴿لِيَسْتَـاْذِنكُمُ﴾ عنى به الذكور دون الإناث لأن قوله :﴿الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ صيغة الذكور لا صيغة الإناث، وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي في الرجال والنساء يستأذنون على كل حال بالليل والنهار، والصحيح أنه يجب إثبات هذا الحكم في النساء، لأن الإنسان كما يكره اطلاع الذكور على أحواله فقد يكره أيضاً اطلاع النساء عليها ولكن الحكم يثبت في النساء بالقياس لا بظاهر اللفظ على ما قدمناه.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٢٣
المسألة السادسة : من العلماء من قال الأمر في قوله :﴿لِيَسْتَـاْذِنكُمُ﴾ على الندب والاستحباب ومنهم من قال إنه على الإيجاب وهذا أولى، لما ثبت أن ظاهر الأمر للوجوب.
أما قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن عمر ﴿الْحُلُمَ﴾ بالسكون.


الصفحة التالية
Icon