المسألة الثالثة : قال أبو بكر الرازي دلت هذه الآية على أن من لم يبلغ، وقد عقل يؤمر بفعل الشرائع وينهى عن ارتكاب القبائح فإن الله أمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات، وقال عليه السلام :"مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر" وعن ابن عمر رضي الله عنه قال نعلم الصبي الصلاة إذا عرف يمينه من شماله، وعن زين العابدين أنه كان يأمر الصبيان أن يصلوا الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً، فقيل له يصلون الصلاة لغير وقتها فقال خير من أن يتناهوا عنها، وعن ابن مسعود رض الله عنه إذا بلغ الصبي عشر سنين كتبت له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات حتى يحتلم/ ثم قال أبو بكر الرازي إنما يؤمر بذلك على وجه التعليم وليعتاده ويتمرن عليه فيكون أسهل عليه بعد البلوغ وأقل نفوراً منه، وكذلك يجنب شرب الخمر ولحم الخنزير وينهى عن سائر المحظورات لأنه لو لم يمنع منه في الصغر لصعب عليه الامتناع بعد الكبر، وقال الله تعالى :﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ (التحريم : ٦) قيل في التفسير أدبوهم وعلموهم.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٢٣
المسألة الرابعة : قال الأخفش : يقال في الحلم حلم الرجل بفتح اللام، يحلم حلماً بضم اللام، ومن الحلم حلم بضم اللام، يحلم حلماً بكسر اللام.
أما قوله تعالى :﴿ثَلَـاثَ مَراَّتٍا مِّن قَبْلِ صَلَواةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنا بَعْدِ صَلَواةِ الْعِشَآءِا ثَلَـاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله :﴿ثَلَـاثَ مَراَّتٍ ﴾ يعني ثلاث أوقات، لأنه تعالى فسرهن بالأوقات، وإنما قيل ثلاث مرات للأوقات لأنه أراد مرة في كل وقت من هذه الأوقات، لأنه يكفيهم أن يستأذنوا في كل واحد من هذه الأوقات مرة واحدة، ثم بين الأوقات فقال :﴿مِّن قَبْلِ صَلَواةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنا بَعْدِ صَلَواةِ الْعِشَآءِ ﴾، يعني الغالب في هذه الأوقات الثلاثة أن يكون الإنسان متجرداً عن الثياب مكشوف العورة.
المسألة الثانية : قوله :﴿ثَلَـاثُ عَوْرَاتٍ﴾ قرأ أهل الكوفة :﴿ثَالِثُ﴾ بالنصب على البدل من قوله :﴿ثَلَـاثَ مَراَّتٍ ﴾ وكأنه قال في أوقات ثلاث عورات لكم، فلما حذف المضاف أعرب المضاف إليه بإعرابه وقراءة الباقين بالرفع أي : هي ثلاث عورات فارتفع لأنه خبر مبتدأ محذوف، قال القفال فكأن المعنى ثلاث انكشافات والمراد وقت الانكشاف.
المسألة الثالثة : العورة الخلل ومنه أعور الفارس وأعور المكان والأعور المختل العين، فسمى الله تعالى كل واحدة من تلك الأحوال عورة، لأن الناس يختل حفظهم وتسترهم فيها.
المسألة الرابعة : الآية دالة على أن الواجب اعتبار العلل في الأحكام إذا أمكن لأنه تعالى نبه على العلة في هذه الأوقات الثلاثة من وجهين : أحدهما : بقوله تعالى :﴿ثَلَـاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ﴾ والثاني : بالتنبيه على الفرق بين هذه الأوقات الثلاثة وبين ما عداها بأنه ليس ذاك إلا لعلة التكشف في هذه الأوقات الثلاثة، وأنه لا يؤمن وقوع التكشف فيها وليس كذلك ما عدا هذه الأوقات.
المسألة الخامسة : من الناس من قال إن قوله تعالى :﴿كَرِيمٌ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى ا أَهْلِهَا ﴾ (النور : ٢٧) فهذا يدل على أن الاستئذان واجب في كل حال، وصار ذلك منسوخاً بهذه الآية في غير هذه الأحوال الثلاثة، ومن الناس من قال الآية الأولى أريد بها المكلف لأنه خطاب لمن آمن، وما ذكره الله تعالى في هذه الآية فهو فيمن ليس بمكلف فقيل فيه إن في بعض الأحوال لا يدخل إلا بإذن، وفي بعضها بغير إذن. فلا وجه لحمل ذلك على النسخ، لأن ما تناولته الآية الأولى من المخاطبين لم تتناوله الآية الثانية أصلاً، فإن قيل بتقدير أن يكون قوله تعالى :﴿الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ يدخل فيه من قد بلغ فالنسخ لازم، قلنا لا يجب ذلك أيضاً، لأن قوله :﴿كَرِيمٌ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾ لا يدخل إلا من يملك البيوت لحق هذه الإضافة، وإذا صح ذلك لم يدخل تحت العبيد والإماء، فلا يجب النسخ أيضاً على هذا القول، فأما إن حمل الكلام على صغار المماليك فالقول فيه أبين.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٢٣


الصفحة التالية
Icon