المسألة الثالثة : لا شبهة أنه تعالى لم يأذن في أن يضعن ثيابهن أجمع لما فيه من كشف كل عورة، فلذلك قال المفسرون : المراد بالثياب ههنا الجلباب والبرد والقناع الذي فوق الخمار، وروي / عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ ﴿أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ﴾ وعن السدي عن شيوخه (أن يضعن خمرهن رؤوسهن) وعن بعضهم أنه قرأ (أن يضعن من ثيابهن)، وإنما خصهن الله تعالى بذلك لأن التهمة مرتفعة عنهن، وقد بلغن هذا المبلغ فلو غلب على ظنهن خلاف ذلك لم يحل لهن وضع الثياب ولذلك قال :﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ﴾ وإنما جعل ذلك أفضل من حيث هو أبعد من المظنة وذلك يقتضي أن عند المظنة يلزمهن أن لا يضعن ذلك كما يلزم مثله في الشابة.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٢٣
المسألة الرابعة : حقيقة التبرج تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه من قولهم سفينة بارج لا غطاء عليها، والبرج سعة العين التي يرى بياضها محيطاً بسوادها كله، لا يغيب منه شيء إلا أنه اختص بأن تنكشف المرأة للرجال بإبداء زينتها وإظهار محاسنها.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٢٣
٤٢٨
اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في المراد من رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض فقال / ابن زيد : المراد أنه لا حرج عليهم ولا إثم في ترك الجهاد، وقال الحسن نزلت الآية في ابن أم مكتوم وضع الله الجهاد عنه وكان أعمى وهذا القول ضعيف لأنه تعالى عطف عليه قوله :﴿أَن تَأْكُلُوا ﴾ فنبه بذلك على أنه إنما رفع الحرج في ذلك، وقال الأكثرون المراد منه أن القوم كانوا يحظرون الأكل مع هؤلاء الثلاثة وفي هذه المنازل، فالله تعالى رفع ذلك الحظر وأزاله، واختلفوا في أنهم لأي سبب اعتقدوا ذلك الحظر، أما في حق الأعمى والأعرج والمريض فذكروا فيه وجوهاً : أحدها : أنهم كانوا لا يأكلون مع الأعمى لأنه لا يبصر الطعام الجيد فلا يأخذه، ولا مع الأعرج لأنه لا يتمكن من الجلوس فإلى أن يأكل لقمة يأكل غيره لقمتين، وكذا المريض لأنه لا يتأتى له أن يأكل كما يأكل الصحيح، قال الفراء : فعلى هذا التأويل تكون (على) بمعنى في يعني ليس عليكم في مواكلة هؤلاء حرج وثانيها : أن العميان والعرجان والمرضى تركوا مواكلة الأصحاء، أما الأعمى فقال إني لا أرى شيئاً فربما آخذ الأجود وأترك الأردأ، وأما الأعرج والمريض فخافا أن يفسدا الطعام على الأصحاء لأمور تعتري المرضى، ولأجل أن الأصحاء يتكرهون منهم ولأجل أن المريض ربما حمله الشره على أن يتعلق نظره وقلبه بلقمة الغير، وذلك مما يكرهه ذلك الغير فلهذه الأسباب احترزوا عن مواكلة الأصحاء، فالله تعالى أطلق لهم في ذلك وثالثها : روى الزهري عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبدالله في هذه الآية أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم وكانوا يسلمون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون لهم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا فكانوا يتحرجون من ذلك قالوا لا ندخلها وهم غائبون، فنزلت هذه الآية رخصة لهم وهذا قول عائشة رضي الله عنها فعلى هذا معنى الآية نفي الحرج عن الزمنى في أكلهم من بيت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج إلى الغزو ورابعها : نقل عن ابن عباس ومقاتل بن حيان نزلت هذه الآية في الحارث بن عمرو وذلك أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم غازياً وخلف بن مالك بن زيد على أهله فلما رجع وجده مجهوداً فسأله عن حاله فقال تحرجت أن آكل من طعامك بغير إذنك، وأما في حق سائر الناس فذكروا وجهين : الأول : كان المؤمنون يذهبون بالضعفاء وذوي العاهات إلى بيوت أزواجهم وأولادهم وقراباتهم وأصدقائهم فيطعمونهم منها، فلما نزل قوله تعالى :
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٢٨
﴿لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَـاطِلِ إِلا أَن تَكُونَ تِجَـارَةً﴾ (النساء : ٢٩) أي بيعاً فعند ذلك امتنع الناس أن يأكل بعضهم من طعام بعض فنزلت هذه الآية الثاني : قال قتادة : كانت الأنصار في أنفسها قزازة وكانت لا تأكل من هذه البيوت إذا استغنوا/ قال السدي كان الرجل يدخل بيت أبيه أو بيت أخيه أو أخته فتتحفه المرأة بشيء من الطعام فيتحرج، لأنه ليس ثم رب البيت. فأنزل الله تعالى هذه الرخصة.
المسألة الثانية : قال الزجاج الحرج في اللغة الضيق ومعناه في الدين الإثم.


الصفحة التالية
Icon