السؤال الثالث : كيف يصح القيلولة في الجنة والنار، وعندكم أن أهل الجنة في الآخرة لا ينامون، وأهل النار أبداً في عذاب يعرفونه، وأهل الجنة في نعيم يعرفونه ؟
والجواب : قال الله تعالى :﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ (مريم : ٦٢) وليس في الجنة بكرة وعشى، لقوله تعالى :﴿لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا﴾ (الإنسان : ١٣) ولأنه إذا لم يكن هناك شمس لم يكن هناك نصف النهار ولا وقت القيلولة، بل المراد منه بيان أن ذلك الموضع أطيب المواضع وأحسنها، كما أن موضع القيلولة يكون أطيب المواضع والله أعلم.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٥٥
٤٥٦
اعلم أن هذا الكلام مبني على ما استدعوه من إنزال الملائكة فبين سبحانه أنه يحصل ذلك في يوم له صفات :
الصفة الأولى : أن في ذلك اليوم تشقق السماء بالغمام، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله :﴿إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ﴾ (الانفطار : ١) يدل على التشقق وقوله :﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ﴾ (البقرة : ٢١٠) يدل على الغمام فقوله :﴿تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَـامِ﴾ جامع لمعنى الآيتين ونظيره قوله تعالى :﴿وَفُتِحَتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾ (النبأ : ١٩) وقوله :﴿فَهِىَ يَوْمَـاـاِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ (الحاقة : ١٦).
المسألة الثانية : قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة بتخفيف الشين ههنا وفي سورة ق، والباقون بالتشديد، قال أبو عبيدة : الاختيار التخفيف كما يخفف تساءلون ومن شدد فمعناه تتشقق.
المسألة الثالثة : قال الفراء : المراد من قوله :﴿بِالْغَمَـامِ﴾ أي عن الغمام، لأن السماء لا تتشقق بالغمام بل عن الغمام، وقال القاضي : لا يمتنع أن يجعل تعالى الغمام بحيث تشقق السماء باعتماده عليه وهو كقوله :﴿السَّمَآءُ مُنفَطِرُا بِه ﴾ (المزمل : ١٨).
المسألة الرابعة : لا بد من أن يكون لهذا التشقق تعلق بنزول الملائكة، فقيل الملائكة في أيام الأنبياء عليهم السلام كانوا ينزلون من مواضع مخصوصة والسماء على اتصالها، ثم في ذلك اليوم تتشقق السماء فإذا انشقت خرج من أن يكون حائلاً بين الملائكة وبين الأرض فنزلت الملائكة إلى الأرض.
المسألة الخامسة : قوله :﴿وَنُزِّلَ الْمَلَـا اـاِكَةُ﴾ صيغة عموم فيتناول الكل، ولأن السماء مقر الملائكة فإذا تشقق وجب أن ينزلوا إلى الأرض، ثم قال مقاتل : تشقق سماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر من سكان الدنيا، كذلك تتشقق سماء سماء، ثم ينزل الكروبيون وحملة العرش، ثم ينزل الرب تعالى. وروى الضحاك عن ابن عباس : قال تتشقق كل سماء وينزل سكانها فيحيطون بالعالم ويصيرون سبع صفوف حول العالم، واعلم أن نزول الرب بالذات باطل قطعاً، لأن النزول حركة والموصوف بالحركة محدث والإله لا يكون محدثاً. وأما نزول الملائكة إلى الأرض فعليه سؤال، وذلك لأنه ثبت أن الأرض بالقياس إلى سماء الدنيا كحلقة في فلاة، فكيف بالقياس إلى الكرسي والعرش فملائكة هذه المواضع بأسرها كيف تتسع لهم الأرض جميعاً ؟
فلعل الله تعالى يزيد في طول الأرض وعرضها ويبلغها مبلغاً يتسع لكل هؤلاء، ومن المفسرين من قال : الملائكة يكونون في الغمام منه، والله تعالى يسكن الغمام فوق أهل القيامة ويكون ذلك الغمام مقر الملائكة. قال الحسن : والغمام سترة بين السماء والأرض تعرج الملائكة فيه بنسخ أعمال بني آدم والمحاسبة تكون في الأرض.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٥٦
المسألة السادسة : أما نزول الملائكة فظاهر، ومعنى ﴿تَنزِيلا﴾ توكيد للنزول ودلالة على إسراعهم فيه.
المسألة السابعة : الألف واللام في الغمام ليس للعموم فهو للمعهود، والمراد ما ذكروه في قوله :﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَـا اـاِكَةُ﴾ (البقرة : ٢١٠).
المسألة الثامنة : قرىء :﴿نُنَزِّلُ الملائكة ﴾، ﴿نُنَزِّلُ الملائكة ﴾، ﴿وَنُزِّلَ الْمَلَـا اـاِكَةُ﴾، ﴿وَنُزِّلَ الْمَلَـا اـاِكَةُ﴾ ﴿وَنُزِّلَ الْمَلَـا اـاِكَةُ﴾ على حذف النون الذي هو فاء الفعل من ننزل قراءة أهل مكة.


الصفحة التالية
Icon