المسألة الثانية : الدليل على أن الماء المستعمل طاهر قوله تعالى :﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا﴾ ومن السنة أنه عليه السلام : أخذ من بلل لحيته ومسح به رأسه، وقال :"خلق الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه أو لونه" وقال الشافعي : إنه عليه السلام توضأ ولا شك أنه أصابه ما تساقط منه، ولم ينقل أنه غير ثوبه ولا أنه غسله، ولا أحد من المسلمين فعل ذلك، فثبت أنهم أجمعوا على أنه ليس بنجس، ولأنه ماء طاهر لقي جسماً طاهراً فأشبه ما إذا لاقى حجارة.
المسألة الثالثة : الماء المستعمل إما أن يكون مستعملاً في أعضاء الوضوء أو في غسل الثياب، أما المستعمل في أعضاء الوضوء فإما أن يكون مستعملاً فيما كان فرضاً وعبادة، أو فيما كان فرضاً ولا يكون عبادة، أو فيما كان عبادة ولا يكون فرضاً، أو فيما لا يكون فرضاً ولا عبادة.
أما القسم الأول : وهو المستعمل فيما كان فرضاً وعبادة فهو غير مطهر باتفاق أصحاب الشافعي.
وأما القسم الثاني : فهو كالماء الذي استعملته الذمية التي تحت الزوج المسلم، أي في غسل / حيضها ليحل للزوج غشيانها. وأما القسم الثالث : فهو كالماء المستعمل في الكرة الثانية والثالثة، والماء المستعمل في تجديد الوضوء، والماء المستعمل في الأغسال المسنونة، فلأصحاب الشافعي في هذين القسمين وجهان : وأما القسم الرابع : فهو كالماء المستعمل في الكرة الرابعة، وفي التبرد والتنظف، فذاك باتفاق أصحاب الشافعي غير مستعمل، وهو طاهر مطهر، أما الماء المستعمل في غسل الثياب، فإذا غسل ثوباً من نجاسة وطهر بغسلة واحدة، يستحب أن يغسله ثلاثاً فالمنفصل في الكرة الثانية والثالثة مطهر على الأصح القسم الثاني : الماء الذي يتغير فنقول الماء إذا تغير، فإما أن يتغير بنفسه أو بغيره، أما الأول فكالمتغير بطول المكث فيجوز الوضوء به، لأنه عليه السلام كان يتوضأ من بئر (قضاعة)، وكان ماؤها كأنه نقاعة الحناء، وأما المتغير بسبب غيره فذلك الغير إما أن لا يكون متصلاً به أو يكون متصلاً به. أما الذي لا يكون متصلاً به فهو كما لو وقع بقرب الماء جيفة فصار الماء منتناً بسببها فهو أيضاً مطهر، وأما إذا تغير بسبب شيء متصل به فذلك المتصل إما أن يكون طاهراً أو نجساً القسم الأول : إذا كان طاهراً فهو إما أن لا يخالطه أو يخالطه، فإن لم يخالطه فهو كالماء المتغير بسبب وقوع الدهن والطيب والعود والعنبر والكافور الصلب فيه وهذا أيضاً مطهر كما لو كان بقرب الماء جيفة، ولأن الطهورية ثبتت بقوله :
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٧٤
﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا﴾ والأصل في الثابت بقاؤه، وأما المتغير بسبب شيء يخالطه، فذلك المخالط إما أن لا يمكن صون الماء عنه أو يمكن، أما الذي لا يمكن فكالمتغير بالتراب والحمأة والأوراق التي تقع فيه والطحلب الذي يتولد فيه، وهذا أيضاً مطهر، لأن الطهورية ثبتت بالآية والاحتراز عن ذلك عسير، فيكون مرفوعاً لقوله :﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ (الحج : ٧٨) وكذا لو جرى الماء في طريقه على معدن زرنيخ أو نورة أو كحل أو وقع شيء منها فيه أو نبع من معادنها، أما إذا تغير الماء بسبب مخالطة ما يستغنى الماء عن جنسه نظر إن كان التغير قليلاً، بحيث لا يضاف الماء إليه بأن وقع فيه زعفران فاصفر قليلاً، أو دقيق فابيض قليلاً، جاز الوضوء به على الصحيح من المذهب، لأنه لم يسلبه إطلاق اسم الماء، وأما إن كان التغير كثيراً فإن استحدث اسماً جديداً كالمرقة لم يجز الوضوء به بالاتفاق، وإن لم يستحدث اسماً جديدا فعند الشافعي لا يجوز الوضوء به/ وعند أبي حنيفة يجوز.
حجة الشافعي من وجوه : أحدها : أنه عليه السلام توضأ ثم قال :"هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" فذلك الوضوء إن كان واقعاً بالماء المتغير وجب أن لا يجوز إلا به، وبالاتفاق ليس الأمر كذلك، فثبت أنه كان بماء غير متغير وهو المطلوب وثانيها : أنه إذا اختلط ماء الورد بالماء ثم توضأ الإنسان به، فيحتمل أن بعض الأعضاء قد انغسل بماء الورد دون الماء، وإذا كان كذلك فقد وقع الشك في حصول الوضوء وكان تيقن الحدث قائماً، والشك لا يعارض اليقين فوجب أن يبقى على الحدث، بخلاف ما إذا كان قليلاً لا يظهر أثره فإنه صار كالمعدوم، / أما إذا ظهر أثره علمنا أنه باق فيتوجه ما ذكرناه وثالثها : أن الوضوء تعبد لا يعقل معناه، فإنه لو توضأ بماء الورد لا يصح وضوؤه ولو توضأ بالماء الكدر المتعفن صح وضوؤه. وما لا يعقل معناه وجب الاقتصار فيه على مورد النص وترك القياس.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٧٤


الصفحة التالية
Icon