السؤال الثاني : لم قدر الخلق والإيجاد بهذا التقدير ؟
الجواب : أما على قولنا فالمشيئة والقدرة كافية في التخصيص، قالت المعتزلة بل لا بد من داعي حكمة وهو أن تخصيص خلق العالم بهذا المقدار أصلح للمكلفين وهذا بعيد لوجهين : أحدهما : أن حصول تلك الحكمة، إما أن يكون واجباً لذاته أو جائزاً فإن كان واجباً وجب أن لا يتغير فيكون حاصلاً في كل الأزمنة، فلا يصلح أن يكون سبباً لتخصيص زمان معين وإن كان جائزاً افتقر حصول تلك الحكمة في ذلك الوقت إلى مخصص آخر ويلزم التسلسل والثاني : أن التفاوت بين كل واحد مما لا يصل إليه خاطر المكلف وعقله، فحصول ذلك التفاوت لما لم يكن مشعوراً به كيف يقدح في حصول المصالح.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٨٠
واعلم أنه يجب على المكلف سواء كان على قولنا أو على قول المعتزلة أن يقطع الطمع عن أمثال هذه الأسئلة، فإنه بحر لا ساحل له. من ذلك تقدير الملائكة الذين هم أصحاب النار بتسعة عشر وحملة العرش بالثمانية وشهور السنة باثني عشر والسموات السبع وكذا الأرض وكذا القول في عدد الصلوات ومقادير النصب في الزكوات وكذا مقادير الحدود والكفارات فالإقرار بأن كل ما قاله الله تعالى حق هو الدين، وترك البحث عن هذه الأشياء هو الواجب وقد نص عليه تعالى في قوله :﴿وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَـابَ النَّارِ إِلا ملائكة ا وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ﴾ ثم قال :﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ ﴾ (المدثر : ٣١) وهذا هو الجواب أيضاً في أنه لم يخلقها في لحظة وهو قادر على ذلك وعن سعيد بن جبير أنه إنما خلقها في ستة أيام وهو يقدر على أن يخلقها في لحظة تعليماً لخلقه الرفق والتثبت، قيل تم خلقها يوم الجمعة فجعلها الله تعالى عيداً للمسلمين.
السؤال الثالث : ما معنى قوله :﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ ؟
ولا يجوز حمله على الاستيلاء والقدرة، لأن الاستيلاء والقدرة في أوصاف الله لم تزل ولا يصح دخول (ثم) فيه والجواب : الاستقرار غير جائز، لأنه يقتضي التغير الذي هو دليل الحدوث، ويقتضي التركيب والبعضية وكل ذلك على الله محال بل المراد ثم خلق العرش ورفعه وهو مستول كقوله تعالى :﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ﴾ (محمد : ٣١) فإن المراد حتى يجاهد المجاهدون ونحن بهم عالمون، فإن قيل فعلى هذا التفسير يلزم أن يكون خلق العرش بعد خلق السموات وليس كذلك لقوله تعالى :﴿وَكَانَ عَرْشُه عَلَى الْمَآءِ﴾ (هود : ٧) قلنا : كلمة (ثم) / ما دخلت على خلق العرش، بل على رفعه على السموات.
السؤال الرابع : كيف إعراب قوله :﴿الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ ؟
الجواب :﴿الَّذِى خَلَقَ﴾ مبتدأ و﴿الرَّحْمَـانِ﴾ خبره، أو هو صفة للحي، والرحمن خبر مبتدأ محذوف ولهذا أجاز الزجاج وغيره أن يكون الوقف على قوله ﴿عَلَى الْعَرْشِ ﴾ ثم يبتدىء بالرحمن أي هو الرحمن الذي لا ينبغي السجود والتعظيم إلا له، ويجوز أن يكون الرحمن مبتدأ وخبره قوله :﴿الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ﴾.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٨٠
السؤال الخامس : ما معنى قوله :﴿الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ﴾ ؟
الجواب : ذكروا فيه وجوهاً أحدها : قال الكلبي معناه فاسأل خبيراً به وقوله :﴿بِه ﴾ يعود إلى ما ذكرنا من خلق السماء والأرض والاستواء على العرش والباء من صلة الخبير وذلك الخبير هو الله عز وجل لأنه لا دليل في العقل على كيفية خلق الله السموات والأرض فلا يعلمها أحد إلا الله تعالى وعن ابن عباس أن ذلك الخبير هو جبريل عليه السلام وإنما قدم لرؤوس الآي وحسن النظم وثانيها : قال الزجاج قوله :﴿بِه ﴾ معناه عنه والمعنى فاسأل عنه خبيراً، وهو قول الأخفش، ونظيره قوله :﴿سَأَلَ سَآاـاِلُا بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ (المعارج : ١) وقال علقمة بن عبدة :
فإن تسألوني بالنساء فإنني
بصير بأدواء النساء طبيب
وثالثها : قال ابن جرير الباء في قوله :﴿بِه ﴾ صلة والمعنى فسله خبيراً، وخبيراً نصب على الحال ورابعها : أن قوله ﴿بِه ﴾ يجري مجرى القسم كقوله :﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَآءَلُونَ بِه ﴾ (النساء : ١).


الصفحة التالية
Icon