المسألة الثالثة : قال القاضي : بين الله تعالى أن المضاعفة والزيادة يكون حالهما في الدوام كحال الأصل، فقوله :﴿وَيَخْلُدْ فِيه ﴾ أي ويخلد في ذلك التضعيف، ثم إن ذلك التضعيف إنما حصل بسبب العقاب على المعاصي، فوجب أن يكون عقاب هذه المعاصي في حق الكافر دائماً، / وإذا كان كذلك وجب أن يكون في حق المؤمن كذلك، لأن حاله فيما يستحق به لا يتغير سواء فعل مع غيره أو منفرداً والجواب : لم لا يجوز أن يكون للإتيان بالشيء مع غيره أثر في مزيد القبح، ألا ترى أن الشيئين قد يكون كل واحد منهما في نفسه حسناً وإن كان الجمع بينهما قبيحاً، وقد يكون كل واحد منهما قبيحاً، ويكون الجمع بينهما أقبح، فكذا ههنا.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٨٦
المسألة الرابعة : قوله :﴿وَيَخْلُدْ فِيه مُهَانًا﴾ إشارة إلى ما ثبت أن العقاب هو المضرة الخالصة المقرونة بالإذلال والإهانة، كما أن الثواب هو المنفعة الخالصة المقرونة بالتعظيم.
أما قوله تعالى :﴿إِلا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَـالِحًا فَ أولئك يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِهِمْ حَسَنَـاتٍا وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : دلت الآية على أن التوبة مقبولة، والاستثناء لا يدل على ذلك لأنه أثبت أنه يضاعف له العذاب ضعفين، فيكفي لصحة هذا الاستثناء أن لا يضاعف للتائب العذاب ضعفين، وإنما الدال عليه قوله :﴿فَ أولئك يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِهِمْ حَسَنَـاتٍ ﴾.
المسألة الثانية : نقل عن ابن عباس أنه قال : توبة القاتل غير مقبولة، وزعم أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا﴾ (النساء : ٩٣) وقالوا نزلت الغليظة بعد اللينة بمدة يسيرة، وعن الضحاك ومقاتل بثمان سنين، وقد تقدم الكلام في ذلك في سورة النساء.
المسألة الثالثة : فإن قيل : العمل الصالح يدخل فيه التوبة والإيمان، فكان ذكرهما قبل ذكر العمل الصالح حشواً، قلنا : أفردهما بالذكر لعلو شأنهما، ولما كان لا بد معهما من سائر الأعمال لا جرم ذكر عقيبهما العمل الصالح.
المسألة الرابعة : اختلفوا في المراد بقوله :﴿فَ أولئك يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِهِمْ حَسَنَـاتٍ ﴾ على وجوه : أحدها : قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة : إن التبديل إنما يكون في الدنيا، فيبدل الله تعالى قبائح أعمالهم في الشرك بمحاسن الأعمال في الإسلام فيبدلهم بالشرك إيماناً، وبقتل المؤمنين قتل المشركين، وبالزنا عفة وإحصاناً، فكأنه تعالى يبشرهم بأنه يوفقهم لهذه الأعمال الصالحة فيستوجبوا بها الثواب وثانيها : قال الزجاج : السيئة بعينها لا تصير حسنة، ولكن التأويل أن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة والكافر يحبط الله عمله ويثبت عليه السيئات. وثالثها : قال قوم : إن الله تعالى يمحو السيئة عن العبد ويثبت له بدلها الحسنة بحكم هذه الآية، وهذا قول سعيد بن المسيب ومكحول، ويحتجون بما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"ليتمنين أقوام أنهم أكثروا من السيئات، قيل من هم يا رسول الله ؟
قال الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات" وعلى هذا التبديل في الآخرة ورابعها : قال القفال والقاضي : أنه تعالى يبدل العقاب بالثواب فذكرهما وأراد ما يستحق بهما، وإذا حمل على ذلك كانت الإضافة إلى الله حقيقة لأن الإثابة لا تكون إلا من الله تعالى.
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٨٦
أما قوله تعالى :﴿وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَـالِحًا فَإِنَّه يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ ففيه سؤالان :
السؤال الأول : ما فائدة هذا التكرير ؟
الجواب : من وجهين : الأول : أن هذا ليس بتكرير لأن الأول لما كان في تلك الخصال بين تعالى أن جميع الذنوب بمنزلتها في صحة التوبة منها الثاني : أن التوبة الأولى رجوع عن الشرك والمعاصي، والتوبة الثانية رجوع إلى الله تعالى للجزاء والمكافأة كقوله تعالى :﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ (الرعد : ٣٠) أي مرجعي.
السؤال الثاني : هل تكون التوبة إلا إلى الله تعالى فما فائدة قوله :﴿فَإِنَّه يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾ ؟
الجواب : من وجوه : الأول : ما تقدم من أن التوبة الأولى الرجوع عن المعصية والثانية الرجوع إلى حكم الله تعالى وثوابه الثاني : معناه أن من تاب إلى الله فقد أتى بتوبة مرضية لله مكفرة للذنوب محصلة للثواب العظيم الثالث : قوله :﴿وَمَن تَابَ﴾ يرجع إلى الماضي فإنه سبحانه ذكر أن من أتى بهذه التوبة في الماضي على سبيل الإخلاص فقد وعده بأنه سيوفقه للتوبة في المستقبل، وهذا من أعظم البشارات.
الصفة السابعة
جزء : ٢٤ رقم الصفحة : ٤٨٦
٤٨٦
فيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon