ثم قال تعالى :﴿لِلَّهِ الامْرُ مِن قَبْلُ وَمِنا بَعْدُ ﴾ أي من قبل الغلبة ومن بعدها أو من قبل هذه المدة ومن بعدها، يعني إن أراد غلبهم غلبهم قبل بضع سنين وإن أراد غلبهم غلبهم بعدها، وما قدر هذه المدة لعجز وإنما هي إرادة نافذة، وبنيا على الضم لما قطعا عن الإضافة لأن غير الضمة من الفتحة والكسرة يشتبه بما يدخل عليهما وهو النصب والجر، أما النصب ففي قولك جئت قبله أو بعده، وأما الجر ففي قولك من قبله ومن بعده فنياً على الضم لعدم دخول مثلهما عليه في الإعراب وهو الرفع ﴿وَيَوْمَـاـاِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ قيل يفرحون بغلبة الروم على الفرس كما فرح المشركون بغلبة الفرس على الروم، والأصح أنهم يفرحون بغلبتهم المشركين وذلك لأن غلبة الروم كانت يوم غلبة المسلمين المشركين ببدر، ولو كان المراد ما ذكروه لما صح لأن في ذلك اليوم بعينه لم يصل إليهم خبر الكسر فلا يكون فرحهم يومئذٍ بل الفرح يحصل بعده.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٨٣
٨٣
قوله تعالى :﴿بِنَصْرِ اللَّه يَنصُرُ مَن يَشَآءُ ﴾ قدم المصدر على الفعل حيث قال :﴿بِنَصْرِ اللَّه يَنصُرُ﴾ (الأنفال : ٦٢) وقدم الفعل على المصدر في قوله :﴿يُؤَيِّدُ بِنَصْرِه ﴾ وذلك لأن المقصود ههنا بيان أن النصرة بيد الله إن أراد نصر وإن لم يرد لا ينصر، وليس المقصود النصرة ووقوعها والمقصود هناك إظهار النعمة عليه بأنه نصره، فالمقصود هناك الفعل ووقوعه فقدم هناك الفعل، ثم بين أن ذلك الفعل مصدره عند الله، والمقصود ههنا كون المصدر عند الله إن أراد فعل فقدم المصدر.
ثم قال تعالى :﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ ذكر من أسمائه هذين الإسمين لأنه إن لم ينصر المحب بل سلط العدو عليه فذلك لعزته وعدم افتقاره، وإن نصر المحب فذلك لرحمته عليه، أو نقول إن نصر الله المحب فلعزته واستغنائه عن العدو ورحمته على المحب، وإن لم ينصر المحب فلعزته واستغنائه عن المحب ورحمته في الآخرة واصلة إليه.
ثم قال تعالى :﴿وَعْدَ اللَّه لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَه ﴾ يعني سيغلبون وعدهم الله وعداً ووعد الله لا خلف فيه، قوله تعالى :﴿وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ أي لا يعلمون وعده وأنه لا خلف في وعده.
ثم قال تعالى :﴿يَعْلَمُونَ ظَـاهِرًا مِّنَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ يعني علمهم منحصر في الدنيا وأيضاً لا يعلمون الدنيا كما هي وإنما يعلمون ظاهرها وهي ملاذها وملاعبها، ولا يعلمون باطنها وهي مضارها ومتاعبها ويعلمون وجودها الظاهر، ولا يعلمون فناءها ﴿وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَـافِلُونَ﴾ والمعنى هم عن الآخرة غافلون، وذكرت هم الثانية لتفيد أن الغفلة منهم وإلا فأسباب التذكر حاصلة وهذا كما يقول القائل لغيره غفلت عن أمري، فإذا قال هو شغلني فلان فيقول ما شغلك ولكن أنت اشتغلت.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٨٣
٨٤