المسألة الأولى : بدأ بذكر حال الذين آمنوا مع أن الموضع موضع ذكر المجرمين، وذلك لأن المؤمن يوصل إليه الثواب قبل أن يوصل إلى الكافر العقاب حتى يرى ويتحقق أن المؤمن وصل إلى الثواب قبل أن يوصل إلى الكافر العقاب حتى يرى ويتحقق أن المؤمن وصل إلى الثواب فيكون أنكى، ولو أدخل الكافر النار أولاً لكان يظن أن الكل في العذاب مشتركون، فقدم ذلك زيادة في إيلامهم.
المسألة الثانية : ذكر في المؤمن العمل الصالح ولم يذكر في الكافر العمل السيىء، لأن العمل الصالح معتبر مع الإيمان، فإن الإيمان المجرد مفيد للنجاة دون رفع الدرجات ولا يبلغ المؤمن الدرجة العالية إلا بإيمانه وعمله الصالح، وأما الكافر فهو في الدركات بمجرد كفره فلو قال : والذين كفروا وعملوا السيئات في العذاب محضرون، لكان العذاب لمن يصدر منه المجموع، فإن قيل فمن يؤمن ويعمل السيئات غير مذكور في القسمين، فنقول له منزلة بين المنزلتين لا على ما يقوله المعتزلة، بل هو في الأول في العذاب ولكن ليس من المحضرين دوام الحضور، وفي الآخرة هو في الرياض ولكنه ليس من المحبورين غاية الحبور كل ذلك بحكم الوعد.
المسألة الثالثة : قال في الأول ﴿فِى رَوْضَةٍ﴾ على التنكير، وقال في الآخر في العذاب على التعريف، لتعظيم الروضة بالتنكير، كما يقال لفلان مال وجاه، أي كثير وعظيم.
المسألة الرابعة : قال في الأول :﴿يُحْبَرُونَ﴾ بصيغة الفعل ولم يقل محبورون، وقال في الآخر :﴿مُحْضَرُونَ﴾ بصيغة الاسم ولم يقل يحضرون، لأن الفعل ينبىء عن التجدد والاسم لا يدل عليه فقوله :﴿يُحْبَرُونَ﴾ يعني يأتيهم كل ساعة أمر يسرون به. وأما الكفار فهم إذا دخلوا العذاب يبقون فيه محضرين.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٩١
٩٢
لما بين الله تعالى عظمته في الابتداء بقوله :﴿مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلا بِالْحَقِّ﴾ (الروم : ٨) وعظمته في الانتهاء، وهو حين تقوم الساعة ويفترق الناس فريقين، ويحكم على البعض بأن هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، أمر بتنزيهه عن كل سوء ويحمده على كل حال فقال :﴿فَسُبْحَـانَ اللَّهِ﴾ أي سبحوا الله تسبيحاً، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في معنى سبحان الله ولفظه، أما لفظه ففعلان اسم للمصدر الذي هو التسبيح، سمي التسبيح بسبحان وجعل علماً له. وأما المعنى فقال بعض المفسرين : المراد منه الصلاة، أي صلوا، وذكروا أنه أشار إلى الصلوات الخمس، وقال بعضهم أراد به التنزيه، أي نزهوه عن / صفات النقص وصفوه بصفات الكمال، وهذا أقوى والمصير إليه أولى، لأنه يتضمن الأول وذلك لأن التنزيه المأمور به يتناول التنزيه بالقلب، وهو الاعتقاد الجازم وباللسان مع ذلك، وهو الذكر الحسن وبالأركان معهما جميعاً وهو العمل الصالح، والأول هو الأصل، والثاني ثمرة الأول والثالث ثمرة الثاني، وذلك لأن الإنسان إذا اعتقد شيئاً ظهر من قلبه على لسانه، وإذا قال ظهر صدقه في مقاله من أحواله وأفعاله، واللسان ترجمان الجنان والأركان برهان اللسان، لكن الصلاة أفضل أعمال الأركان، وهي مشتملة على الذكر باللسان والقصد بالجنان، وهو تنزيه في التحقيق، فإذا قال نزهوني، وهذا نوع من أنواع التنزيه، والأمر المطلق لا يختص بنوع دون نوع فيجب حمله على كل ما هو تنزيه فيكون أيضاً هذا أمراً بالصلاة، ثم إن قولنا يناسب ما تقدم، وذلك لأن الله تعالى لما بين أن المقام الأعلى والجزاء الأوفى لمن آمن وعمل الصالحات حيث قال :﴿فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ (الروم : ١٥) قال : إذا علمتم أن ذلك المقام لمن آمن وعمل الصالحات والإيمان تنزيه بالجنان وتوحيد باللسان والعمل الصالح استعمال الأركان والكل تنزيهات وتحميدات، فسبحان الله أي فأتوا بذلك الذي هو الموصل إلى الحبور في الرياض، والحضور على الحياض.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٩٢


الصفحة التالية
Icon