المسألة الخامسة : قدم الإمساء على الإصباح ههنا وأخره في قوله :﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾ (الأحزاب : ٤٢) وذلك لأن ههنا أول الكلام ذكر الحشر والإعادة من قوله :﴿اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُه ﴾ (الروم : ١١) إلى قوله :﴿فَ أولئك فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ (الروم : ١٦) وآخر هذه الآية أيضاً ذكر الحشر والإعادة بقوله :﴿وَكَذَالِكَ تُخْرَجُونَ﴾ والإمساء آخر فذكر الآخر ليذكر الآخرة.
المسألة السادسة : في تعلق إخراج الحي من الميت والميت من الحي بما تقدم عليه هو أن عند الإصباح يخرج الإنسان من شبه الموت وهو النوم إلى شبه الوجود وهو اليقظة، وعند العشاء يخرج الإنسان من اليقظة إلى النوم، واختلف المفسرون في قوله :﴿يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ فقال أكثرهم : يخرج الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة، وكذلك الحيوان من النطفة والنطفة من الحيوان، وقال بعضهم المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، ويمكن أن يقال المراد :﴿يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ أي اليقظان من النائم والنائم من اليقظان، وهذا يكون قد ذكره للتمثيل أي إحياء الميت عنده وإماتة الحي كتنبيه النائم وتنويم المنتبه.
ثم قال تعالى :﴿يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ﴾ وفي هذا معنى لطيف وهو أن الإنسان بالموت تبطل حيوانيته وأما نفسه الناطقة فتفارقه وتبقى بعده كما قال تعالى :﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتَا ﴾ (آل عمران : ١٦٩) لكن الحيوان نام متحرك حساس لكن النائم لا يتحرك ولا يحس والأرض الميتة لا يكون فيها نماء، ثم إن النائم بالانتباه يتحرك ويحس والأرض الميتة بعد موتها تنمو بنباتها فكما أن تحريك ذلك الساكن وإنماء هذا الواقف سهل على الله تعالى كذلك إحياء الميت سهل عليه وإلى هذا أشار بقوله :﴿وَكَذَالِكَ تُخْرَجُونَ﴾.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٩٢
٩٣


الصفحة التالية
Icon