المسألة الخامسة : قال ههنا :﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ لما كان حدوث الولد من الوالد أمراً عادياً مطرداً قليل الاختلاف كان يتطرق إلى الأوهام العامية أن ذلك بالطبيعة، لأن المطرد أقرب إلى الطبيعة من المختلف، لكن البرق والمطر ليس أمراً مطرداً غير متخلف إذ يقع ببلدة دون بلدة وفي وقت دون وقت وتارة تكون قوية وتارة تكون ضعيفة فهو أظهر في العقل دلالة على الفاعل المختار/ فقال هو آية لمن له عقل إن لم يتفكر تفكراً تاماً.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٩٧
٩٨
لما ذكر من العوارض التي للسماء والأرض بعضها، ذكر من لوازمها البعض وهي قيامها، فإن الأرض لثقلها يتعجب الإنسان من وقوفها وعدم نزولها وكون السماء يتعجب من علوها وثباتها من غير عمد، وهذا من اللوازم، فإن الأرض لا تخرج عن مكانها الذي هي فيه والسماء كذلك لا تخرج عن مكانها الذي هي فيه فإن قيل إنها تتحرك في مكانها كالرحى ولكن اتفق العقلاء على أنها في مكانها لا تخرج عنه، وهذه آية ظاهرة لأن كونهما في الموضع الذي هما فيه وعلى الموضع / الذي هما عليه من الأمور الممكنة، وكونهما في غير ذلك الموضع جائز، فكان يمكن أن يخرجا منه فلما لم يخرجا كان ذلك ترجيحاً للجائز على غيره، وذلك لا يكون إلا بفاعل مختار، والفلاسفة قالوا كون الأرض في المكان الذي هي فيه طبيعي لها لأنها أثقل الأشياء والثقيل يطلب المركز والخفيف يطلب المحيط والسماء كونها في مكانها إن كانت ذات مكان فلذاتها فقيامهما فيهما بطبعهما، فنقول قد تقدم مراراً أن القول بالطبيعة باطل، والذي نزيده ههنا أنكم وافقتمونا بأن ما جاز على أحد المثلين جاز على المثل الآخر، لكن مقعر الفلك لا يخالف محدبه في الطبع فيجوز حصول مقعره في موضع محدبة، وذلك بالخروج والزوال فإذن الزوال عن المكان ممكن لا سيما على السماء الدنيا فإنها محددة الجهات على مذهبكم أيضاً والأرض كانت تجوز عليها الحركة الدورية، كما تقولون على السماء فعدمها وسكونها ليس إلا بفاعل مختار وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : ذكر الله من كل باب أمرين، أما من الأنفس فقوله :﴿خَلَقَ لَكُم﴾ استدل بخلق الزوجين ومن الآفاق السماء والأرض في قوله :﴿خَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ ومن لوازم الإنسان اختلاف اللسان واختلاف الألوان ومن عوارضه المنام والابتغاء ومن عوارض الآفاق البروق والأمطار ومن لوازمها قيام السماء وقيام الأرض، لأن الواحد يكفي للإقرار بالحق والثاني : يفيد الاستقرار بالحق، ومن هذا اعتبر شهادة شاهدين فإن قول أحدهما يفيد الظن وقول الآخر يفيد تأكيده ولهذا قال إبراهيم عليه السلام :﴿بَلَى ا وَلَـاكِن لِّيَطْمَـاـاِنَّ قَلْبِى ﴾ (البقرة : ٢٦٠).
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٩٨
المسألة الثانية : قوله :﴿بِأَمْرِه ﴾ أي بقوله : قوما أو بإرادته قيامهما، وذلك لأن الأمر عند المعتزلة موافق للإرادة، وعندنا ليس كذلك ولكن النزاع في الأمر الذي للتكليف لا في الأمر الذي للتكوين، فإنا لا ننازعهم في أن قوله :﴿كُنَّ﴾ و﴿كُونُوا ﴾ ﴿قُلْنَا يَـانَارُ كُونِى﴾ موافق للإرادة.
المسألة الثالثة : قال ههنا :﴿وَمِنْ ءَايَـاتِه أَن تَقُومَ﴾ وقال قبله :﴿وَمِنْ ءَايَـاتِه يُرِيكُمُ﴾ ولم يقل أن يريكم، وإن قال بعض المفسرين إن أن مضمرة هناك معناه من آياته أن يريكم ليصير كالمصدر بأن، وذلك لأن القيام لما كان غير متغير أخرج الفعل بأن عن الفعل المستقبل وجعله مصدراً، لأن المستقبل ينبىء عن التجدد، وفي البرق لما كان ذلك من الأمور التي تتجدد في زمان دون زمان ذكره بلفظ المستقبل ولم يذكر معه شيئاً من الحروف المصدرية.
المسألة الرابعة : ذكر ستة دلائل، وذكر في أربعة منها إن في ذلك لآيات، ولم يذكر في الأول وهو قوله :﴿وَمِنْ ءَايَـاتِه أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ﴾ (الروم : ٢٠) ولا في الآخر وهو قوله :﴿وَمِنْ ءَايَـاتِه أَن تَقُومَ السَّمَآءُ وَالارْضُ﴾ (الروم : ٢٥) أما في الأول فلأن قوله بعده :﴿وَمِنْ ءَايَـاتِه أَنْ خَلَقَ لَكُم﴾ أيضاً دليل الأنفس/ فخلق الأنفس وخلق الأزواج من باب واحد، على ما بينا، غير أنه تعالى ذكر من كل باب أمرين للتقرير بالتكرير، فإذا قال :﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ﴾ كان عائداً إليهما، وأما في قيام السماء والأرض فنقول في الآيات السماوية ذكر أنها آيات للعالمين ولقوم يعقلون لظهورها / فلما كان في أول الأمر ظاهراً ففي آخر الأمر بعد سرد الدلائل يكون أظهر، فلم يميز أحداً عن أحد في ذلك، وذكر ما هو مدلوله وهو قدرته على الإعادة، وقال :﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الارْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ وفيها مسائل :
المسألة الأولى : ما وجه العطف يتم، وبم تعلق ثم ؟
فنقول معناه والله أعلم إنه تعالى إذا بين لكم كمال قدرته بهذه الآيات بعد ذلك يخبركم ويعلمكم أنه إذا قال للعظام الرميمة اخرجوا من الأجداث يخرجون أحياء.