المسألة الثامنة : لم لم يذكر غيره من الأفعال كالصلاة وغيرها ؟
فنقول الصلاة مذكورة من قبل لأن الخطاب ههنا بقوله :﴿فَـاَاتِ﴾ مع النبي صلى الله عليه وسلّم وغيره تبع، وقد قال له من قبل ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾ (الروم : ٣٠) وقال :﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَواةَ﴾ (الروم : ٣١).
المسألة التاسعة : قوله تعالى :﴿وَ أولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (البقرة : ٥) يفهم منه الحصر وقد قال في أول سورة البقرة :﴿وَ أولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ إشارة إلى من أقام الصلاة وآتى الزكاة، وآمن بما أنزل على رسوله وبما أنزل من قبله وبالآخرة، فلو كان المفلح منحصراً في أولئك المذكورين في سورة البقرة فهذا خارج عنهم فكيف يكون مفلحاً ؟
فنقول هذا هو ذاك لأنا بينا أن قوله :﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ متصل بهذا الكلام فإذا أتى بالصلاة وآتى المال وأراد وجه الله، فقد ثبت أنه مؤمن مقيم للصلاة مؤت للزكاة معترف بالآخرة فصار مثل المذكور في البقرة.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٠٤
١٠٥
ذكر هذا تحريضاً يعني أنكم إذا طلب منكم واحد باثنين ترغبون فيه وتؤتونه وذلك لا يربوا عند الله والزكاة تنمو عند الله كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام :"إن الصدقة تقع في يد الرحمن فتربوا حتى تصير مثل الجبل" فينبغي أن يكون إقدامكم على الزكاة أكثر. وقوله تعالى :﴿وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَا فِى أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا ﴾ أي أولئك ذوو الأضعاف كالموسر لذي اليسار وأقل ذلك عشرة أضعاف كل مثل لما آتى في كونه حسنة لا في المقدار فلا يفهم أن من أعطى رغيفاً يعطيه الله عشرة أرغفة بل معناه أن ما يقتضيه فعله من الثواب على وجه الرحمة يضاعفه الله عشرة مرات على وجه التفضل، فبالرغيف الواحد يكون له قصر في الجنة فيه من كل شيء ثواباً / نظراً إلى الرحمة، وعشر قصور مثله نظراً إلى الفضل. مثاله في الشاهد، ملك عظيم قبل من عبده هدية قيمتها درهم لو عوضه بعشرة دراهم لا يكون كرماً، بل إذا جرت عادته بأنه يعطي على مثل ذلك ألفاً، فإذا أعطى له عشرة آلاف فقد ضاعف له الثواب.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٠٥
١٠٥
قوله تعالى :﴿اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ﴾ أي أوجدكم ﴿ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ أي أبقاكم، فإن العرض مخلوق وليس بمبقي ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُم هَلْ مِن شُرَكَآاـاِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَالِكُم مِّن شَىْءٍ ﴾ جمع في هذه الآية بين إثبات الأصلين الحشر والتوحيد، أما الحشر فبقوله :﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ والدليل قدرته على الخلق ابتداء، وأما التوحيد فبقوله ﴿هَلْ مِن شُرَكَآاـاِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَالِكُم مِّن شَىْءٍ ﴾. ثم قال تعالى :﴿سُبْحَـانَه وَتَعَـالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ فقوله سبحانه أي سبحوه تسبيحاً أي نزهوه ولا تصفوه بالإشراك، وقوله :﴿وَتَعَـالَى ﴾ أي لا يجوز عليه ذلك وهذا لأن من لا يتصف بشيء قد يجوز عليه فإذا قال سبحوه أي لا تصفوه بالإشراك، وإذا قال وتعالى فكأنه قال ولا يجوز عليه ذلك.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٠٥
١٠٦