المسألة الرابعة : لم قدم السمع ههنا والقلب في قوله تعالى :﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾ (البقرة : ٧) فنقول ذلك يحقق ما ذكرنا، وذلك لأن عند الإعطاء ذكر الأدنى وارتقى إلى الأعلى فقال أعطاكم السمع ثم أعطاكم ما هو أشرف منه وهو القلب وعند السلب قال ليس لهم قلب يدركون به ولا ما هو دونه وهو السمع الذي يسمعون به ممن له قلب يفهم الحقائق ويستخرجها، وقد ذكرنا هناك ما هو السبب في تأخير الأبصار مع أنها في الوسط فيما ذكرنا من الترتيب وهو أن القلب والسمع سلب قوتهما بالطبع فجمع بينهما وسلب قوة البصر بجعل الغشاوة عليه فذكرها متأخرة.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٤٣
١٤٤
لما قال :﴿قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ﴾ بين عدم شكرهم بإتيانهم بضده وهو الكفر وإنكار قدرته على إحياء الموتى وقد ذكرنا أن الله تعالى، في كلامه القديم، كلما ذكر أصلين من الأصول الثلاثة لم يترك الأصل الثالث وههنا كذلك لما ذكر الرسالة بقوله :﴿تَنزِيلُ الْكِتَـابِ﴾ إلى قوله :﴿لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أَتَـاـاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ وذكر الوحدانية بقوله :﴿اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ﴾ إلى قوله :﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالابْصَـارَ﴾ ذكر الأصل الثالث وهو الحشر بقوله تعالى :﴿وَقَالُوا أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى الارْضِ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الواو للعطف على ما سبق منهم فإنهم قالوا محمد ليس برسول والله ليس بواحد وقالوا الحشر ليس بممكن.
المسألة الثانية : أنه تعالى قال في تكذيبهم الرسول في الرسالة أم يقولون بلفظ المستقبل وقال في تكذيبهم إياه في الحشر، وقالوا بلفظ الماضي، وذلك لأن تكذيبهم إياه في رسالته لم يكن قبل وجوده وإنما كان ذلك حالة وجوده فقال يقولون يعني هم فيه، وأما إنكارهم للحشر كان سابقاً صادراً منهم ومن آبائهم فقال وقالوا.
المسألة الثالثة : أنه تعالى صرح بذكر قولهم في الرسالة حيث قال :﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ وفي الحشر حيث قال :﴿وَقَالَ﴾ ولم يصرح بذكر قولهم في الوحدانية، وذلك لأنهم كانوا مصرين في جميع الأحوال على إنكار الحشر والرسول، وأما الوحدانية فكانوا يعترفون بها في المعنى، ألا ترى أن الله تعالى قال :﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه ﴾ (لقمان : ٢٥) فلم يقل قالوا إن الله ليس بواحد وإن كانوا قالوه في الظاهر.
المسألة الرابعة : لو قال قائل لما ذكر الرسالة ذكر من قبل دليلها وهو التنزيل الذي لا ريب فيه ولما ذكر الوحدانية ذكر دليلها وهو خلق السموات والأرض وخلق الإنسان من طين، ولما ذكر إنكارهم الحشر لم يذكر الدليل، نقول في الجواب : ذكر دليله أيضاً وذلك لأن خلق الإنسان ابتداء دليل على قدرته على إعادته، ولهذا استدل الله على إمكان الحشر بالخلق الأول كما قال :﴿ثُمَّ يُعِيدُه وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه ﴾ (الروم : ٢٧) وقوله :﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ (يس : ٧٩) وكذلك خلق السموات كما قال تعالى :﴿أَوَلَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ بِقَـادِرٍ عَلَى ا أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ﴾ (يس : ٨١/ ٨٢).
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٤٤
وقوله تعالى :﴿إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أي أئنا كائنون في خلق جديد أو واقعون فيه ﴿بَلْ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ كَـافِرُونَ﴾ إضراب عن الأول يعني ليس إنكارهم لمجرد الخلق ثانياً بل يكفرون بجميع أحوال الآخرة حتى لو صدقوا بالخلق الثاني لما اعترفوا بالعذاب والثواب، أو نقول معناه لم ينكروا البعث لنفسه بل لكفرهم، فإنهم أنكروه فأنكروا المفضى إليه، ثم بين ما يكون لهم من الموت إلى العذاب.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٤٤
١٤٥


الصفحة التالية
Icon