ثم قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ إشارة إلى أن التقوى ينبغي تكون عن صميم قلبك لا تخفى في نفسك تقوى غير الله كما يفعله الذي يرى من نفسه الشجاعة حيث يخاف في نفسه ويتجلد فإن التقوى من الله وهو عليم، وقوله :﴿حَكِيمًا﴾ إشارة إلى دفع وهم متوهم وهو أن متوهما لو قال إذا قال الله شيئاً وقال جميع الكافرين والمنافقين مع أنهم أقارب النبي عليه الصلاة والسلام شيئاً آخر ورأوا المصلحة فيه وذكروا وجهاً معقولاً فاتباعهم لا يكون إلا مصلحة فقال الله / تعالى إنه حكيم ولا تكون المصلحة إلى في قول الحكيم، فإذا أمرك الله بشيء فاتبعه ولو منعك أهل العالم عنه.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٥٧
١٥٩
يقرر ما ذكرنا من أنه حكيم فاتباعه هو الواجب، ثم قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ لما قال إنه عليم بما في قلوب العباد بين أنه عالم خبير بأعمالكم فسووا قلوبكم وأصلحوا أعمالكم. ثم قال تعالى :﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا﴾ يعني اتق الله وإن توهمت من أحد فتوكل على الله فإنه كفى به دافعاً ينفع ولا يضر معه شيء وإن ضر لا ينفع معه شيء.
ثم قال تعالى :﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِه ﴾ قال بعض المفسرين الآية نزلت في أبي معمر كان يقول لي قلبان أعلم وأفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد فرد الله عليه بقوله :﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِه ﴾، وقال الزمخشري قوله :﴿وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الَّـا ـِاى تُظَـاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَـاتِكُمْ ﴾ أي ما جعل لرجل قلبين كما لم يجعل لرجل أمين ولا لابن أبوين، وكلاهما ضعيف بل الحق أن يقال إن الله لما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالاتقاء بقوله :﴿مُّنتَظِرُونَ * يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ فكان ذلك أمراً له بتقوى لا يكون فوقها تقوى ومن يتقي ويخاف شيئاً خوفاً شديداً لا يدخل في قلبه شيء آخر ألا ترى أن الخائف الشديد الخوف ينسى مهماته حالة الخوف فكأن الله تعالى قال يا أيها النبي اتق الله حق تقاته، ومن حقها أن لا يكون في قلبك تقوى غير الله فإن المرء ليس له قلبان حى يتقي بأحدهما الله وبالآخرة غيره فإن اتقى غيره فلا يكون ذلك إلا بصرف القلب عن جهة الله إلى غيره وذلك لا يليق بالمتقي الذي يدعي أنه يتق الله حق تقاته، ثم ذكر للنبي عليه الصلاة والسلام أنه لا ينبغي أن يتقي أحداً ولا مثل ما اتقيت في حكاية زينب زوجة زيد حيث قال الله تعالى :
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٥٩
١٥٩
ثم بين الهداية وقال :﴿ادْعُوهُمْ لابَآاـاِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّه فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا ءَابَآءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُم وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُم﴾.
قوله تعالى :﴿ادْعُوهُمْ لابَآاـاِهِمْ﴾ أرشد وقال :﴿هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّه ﴾ أي أعدل فإنه وضع الشيء في موضعه وهو يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون ترك الإضافة للعموم أي أعدل كل كلام كقول القائل الله أكبر وثانيهما : أن يكون ما تقدم منوياً كأنه قال ذلك أقسط من قولكم هو ابن فلان ثم تمم الإرشاد وقال :﴿ادْعُوهُمْ لابَآاـاِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّه فَإِن لَّمْ﴾ يعني قولوا لهم إخواننا وأخو فلان فإن كانوا محررين فقولوا مولى فلان، ثم قال تعالى :﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُم بِه ﴾ يعني قول القائل لغيره يا بني بطريق الشفقة، وقول القائل لغيره يا أبي بطريق التعظيم، فإنه مثل الخطأ ألا ترى أن اللغو في اليمين مثل الخطأ وسبق اللسان فكذلك سبق اللسان في قول القائل ابني والسهو في قوله ابني من غير قصد إلى إثبات النسب سواء، وقوله :﴿وَلَـاكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ مبتدأ خبره محذوف يدل عليه ما سبق وهو الجناح يعني ما تعمدت قلوبكم فيه جناح ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ يغفر الذنوب ويرحم المذنب وقد ذكرنا كلاماً شافياً في المغفرة والرحمة في مواضع، ونعيد بعضها ههنا فنقول المغفرة هو أن يسترد القادر القبيح الصادر ممن تحت قدرته حتى أن العبد إذا ستر عيب سيده مخافة عقابه لا يقال إنه غفر له، والرحمة هو أن يميل إليه بالإحسان لعجز المرحوم إليه لا لعوض فإن من مال إلى إنسان قادر كالسلطان لا يقال رحمه، وكذا من أحسن إلى غيره رجاء في خيره أو عوضاً عما صدر منه آنفاً من الإحسان لا يقال رحمه، إذا علم هذا / فالمغفرة إذا ذكرت قبل الرحمة يكون معناها أنه ستر عيبه ثم رآه مفلساً عاجزاً فرحمه وأعطاه ما كفاه، وإذا ذكرت المغفرة بعد الرحمة وهو قليل يكون معناها أنه مال إليه لعجزه فترك عقابه ولم يقتصر عليه بل ستر ذنوبه.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٥٩
١٥٩