ثم قال تعالى :﴿أوالَـا اـاِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَـالَهُم وَكَانَ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ يعني لم يؤمنوا حقيقة وإن أظهروا الإيمان لفظاً فأحبط الله أعمالهم التي كانوا يأتون بها مع المسلمين وقوله :﴿وَكَانَ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ إشارة إلى ما يكون في نظر الناظر كما في قوله تعالى :﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه ﴾ (الروم : ٢٧) وذلك لأن الإحباط إعدام وإهدار، وإعدام الأجسام إذا نظر الناظر يقول الجسم بتفريق أجزائه، فإن من أحرق شيئاً يبقى منه رماد، وذلك لأن الرماد إن فرقته الريح يبقى منه ذرات، وهذا مذهب بعض الناس والحق هو أن الله يعدم الأجسام ويعيد ما يشاء منها، وأما العمل فهو في العين معدوم وإن كان يبقى يبقى بحكمه وآثاره، فإذا لم يكن له فائدة واعتبار فهو معدوم حقيقة وحكماً فالعمل إذا لم يعتبر فهو معدوم في الحقيقة بخلاف الجسم.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٦٣
١٦٤
أي من غاية الجبن عند ذهابهم كانوا يخافونهم وعند مجيئهم كانوا يودون لو كانوا في البوادي ولا يكونون بين المقاتلين مع أنهم عند حضورهم كأنهم غائبون حيث لا يقاتلون كما قال تعالى :/ ﴿وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَـاتَلُوا إِلا قَلِيلا﴾.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٦٤
١٦٤
لما بين حال المنافقين ذكر حال المؤمنين وهو أنهم قالوا هذا ما وعدنا الله من الابتلاء ثم قالوا :﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُه ﴾ في مقابلة قولهم :﴿مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُه ا إِلا غُرُورًا﴾ (الأحزاب : ١٢) وقولهم :﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُه ﴾ ليس إشارة إلى ما وقع فإنهم كانوا يعرفون صدق الله قبل الوقوع وإنما هي إشارة إلى بشارة وهو أنهم قالوا :﴿هَـاذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ﴾ وقد وقع وصدق الله في جميع ما وعد فيقع الكل مثل فتح مكة وفتح الروم وفارس وقوله :﴿وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا﴾ بوقوعه وتسليماً عند وجوده.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٦٤
١٦٥
إشارة إلى وفائهم بعهدهم الذي عاهدوا الله أنهم لا يفارقون نبيه إلا بالموت فمنهم من قضى نحبه أي قاتل حتى قتل فوفى بنذره والنحب النذر، ومنهم من هو بعد في القتال ينتظر الشهادة وفاء بالعهد وما بدلوا تبديلاً بخلاف المنافقين فإنهم قالوا لا نولي الأدبار فبدلوا قولهم وولوا أدبارهم وقوله :﴿لِّيَجْزِىَ اللَّهُ الصَّـادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ أي بصدق ما وعدهم في الدنيا والآخرة كما صدقوا مواعيدهم ويعذب المنافقين الذين كذبوا واخلفوا وقوله :﴿إِن شَآءَ﴾ ذلك فيمنعهم من الإيمان / أو يتوب عليهم إن أراد، وإنما قال ذلك حيث لم يكن قد حصل يأس النبي عليه الصلاة والسلام عن إيمانهم وآمن بعد ذلك ناس منهم وقوله :﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾ حيث ستر ذنوبهم و﴿رَّحِيمًا﴾ حيث رحمهم ورزقهم الإيمان فيكون هذا فيمن آمن بعده أو نقول :﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَـافِقِينَ﴾ مع أنه كان غفوراً رحيماً لكثرة ذنبهم وقوة جرمهم ولو كان دون ذلك لغفر لهم ثم بين بعض ما جازاهم الله به على صدقهم فقال :﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ﴾ أي مع غيظهم لم يشفوا صدراً ولم يحققوا أمراً ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ﴾ أي لم يحوجهم إلى قتال ﴿وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا﴾ غير محتاج إلى قتالهم عزيزاً قادراً على استئصال الكفار وإذلالهم.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٦٥
١٦٦


الصفحة التالية
Icon