ثم قوله تعالى :﴿وَاتَّقِينَ اللَّهَ ﴾ عند المماليك دليل على أن التكشف لهم مشروط بشرط السلامة والعلم بعدم المحذور. وقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدًا﴾ في غاية الحسن في هذا الموضع، وذلك لأن ما سبق إشارة إلى جواز الخلوة بهم والتكشف لهم، فقال إن الله شاهد عند اختلاء بعضكم ببعض، فخلوتكم مثل ملئكم بشهادة الله تعالى فاتقوا.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٨٣
١٨٣
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـا اـاِكَتَه يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ ﴾ لما أمر الله المؤمنين بالاستئذان وعدم النظر إلى وجوه نسائه احتراماً كمل بيان حرمته، وذلك لأن حالته منحصرة في اثنتين حالة خلواته، وذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ﴾ وحالة يكون في ملأ. والملأ إما الملأ الأعلى، وإما الملأ الأدنى، ما في الملأ الأعلى فهو محترم، فإن الله وملائكته يصلون عليه. وأما في الملأ الأدنى فذلك واجب الاحترام بقوله تعالى :﴿النَّبِىِّا يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : الصلاة الدعاء يقال في اللغة صلى عليه، أي دعا له، وهذا المعنى غير معقول في حق الله تعالى فإنه لا يدعو له، لأن الدعاء للغير طلب نفعه من ثالث. فقال الشافعي رضي الله عنه استعمل اللفظ بمعان، وقد تقدم في تفسير قوله :﴿هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلَـا اـاِكَتُه ﴾ (الأحزاب : ٤٣) والذي نزيده ههنا هو أن الله تعالى قال هناك :﴿هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلَـا اـاِكَتُه ﴾ جعل الصلاة لله وعطف الملائكة على الله، وههنا جمع نفسه وملائكته وأسند الصلاة إليهم فقال :﴿يَصِلُونَ﴾ وفيه تعظيم النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا لأن إفراد الواحد بالذكر وعطف الغير عليه يوجب تفضيلاً للمذكور على المعطوف، كما أن الملك إذا قال يدخل فلان وفلان أيضاً يفهم منه تقديم لا يفهم لو قال فلان وفلان يدخلان، إذا علمت هذا، فقال في حق النبي عليه السلام إنهم يصلون إشارة إلى أنه في الصلاة على النبي عليه السلام كالأصل وفي الصلاة على المؤمنين الله يرحمهم، ثم إن الملائكة يوافقونه فهم في الصلاة على النبي عليه السلام يصلون بالإضافة كأنها واجبة عليهم أو مندوبة سواء صلى الله عليه أو لم يصل وفي المؤمنين ليس كذلك.
المسألة الثانية : هذا دليل على مذهب الشافعي لأن الأمر للوجوب فتجب الصلاة على النبي عليه السلام ولا تجب في غير التشهد فتجب في التشهد.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٨٣
المسألة الثالثة : سئل النبي عليه السلام كيف نصلي عليك يا رسول الله ؟
فقال :"قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد / كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد".
المسألة الرابعة : إذا صلى الله وملائكته عليه فأي حاجة إلى صلاتنا ؟
نقول الصلاة عليه ليس لحاجته إليها وإلا فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاة الله عليه، وإنما هو لإظهار تعظيمه، كما أن الله تعالى أوجب علينا ذكر نفسه ولا حاجة له إليه، وإنما هو لإظهار تعظيمه منا شفقة علينا ليثيبنا عليه، ولهذا قال عليه السلام :"من صلى علي مرة صلي الله عليه عشراً".
المسألة الخامسة : لم يترك الله النبي عليه السلام تحت منة أمته بالصلاة حتى عوضهم منه بأمره بالصلاة على الأمة حيث قال :﴿وَصَلِّ عَلَيْهِم إِنَّ صَلَواتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ﴾ (التوبة : ١٠٣) وقوله :﴿وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ أمر فيجب ولم يجب في غير الصلاة فيجب فيها وهو قولنا السلام عليك أيها النبي في التشهد وهو حجة على من قال بعدم وجوبه وذكر المصدر للتأكيد ليكمل السلام عليه ولم يؤكد الصلاة بهذا التأكيد لأنها كانت مؤكدة بقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـا اـاِكَتَه يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ ﴾.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٨٣
١٨٤
فصل الأشياء بتبيين بعض أضدادها، فبين حال مؤذي النبي ليبين فضيلة المسلم عليه واللعن أشد المحذورات لأن البعد من الله لا يرجى معه خير بخلاف التعذيب بالنار وغيره. ألا ترى أن الملك إذا تغير على مملوك إن كان تأذيه غير قوي يزجره ولا يطرده ولو خير المجرم (بين) أن يضرب أو يطرد عندما يكون الملك في غاية العظمة والكرم يختار الضرب على الطرد، ولا سيما إذا لم يكن في الدنيا ملك غير سيده، وقوله :﴿فِى الدُّنُيَا وَالاخِرَةِ ﴾ إشارة إلى بعد لا رجاء للقرب معه، لأن المبعد في الدنيا يرجو القربة في الآخرة، فإذا أبعد في الآخرة فقد خاب وخسر، لأن الله إذا أبعده وطرده فمن الذين يقربه يوم القيامة القيامة، ثم إنه تعالى لم يحصر جزاءه في الإبعاد بل أوعده بالعذاب بقوله :﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا﴾ وفيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon