ثم قال تعالى :﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَه فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ فطاعة الله هي طاعة الرسول، ولكن جمع بينهما لبيان شرف فعل المطيع فإنه يفعله الواحد اتخذ عند الله عهداً وعند الرسول يداً وقوله :﴿فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ جعله عظيماً من وجهين أحدهما : أنه من عذاب عظيم والنجاة من العذاب تعظم بعظم العذاب، حتى أن من أراد أن يضرب غيره سوطاً ثم نجا منه لا يقال فاز فوزاً عظيماً، لأن العذاب الذي نجا منه لو وقع ما كان يتفاوت الأمر تفاوتاً كثيراً والثاني : أنه وصل إلى ثواب كثير وهو الثواب الدائم الأبدي.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٩٠
١٩٠
لما أرشد الله المؤمنين إلى مكارم الأخلاق وأدب النبي عليه السلام بأحسن الآداب، بين أن التكليف الذي وجهه الله إلى الإنسان أمر عظيم فقال :﴿إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ﴾ أي التكليف وهو الأمر بخلاف ما في الطبيعة، واعلم أن هذا النوع من التكليف ليس في السموات ولا في الأرض لأن الأرض والجبل والسماء كلها على ما خلقت عليه ؛ الجبل لا يطلب منه السير والأرض لا يطلب منها الصعود ولا من السماء الهبوط ولا في الملائكة لأن الملائكة وإن كانوا مأمورين منهيين عن أشياء لكن ذلك لهم كالأكل والشرب لنا فيسبحون الليل والنهار لا يفترون كما يشتغل الإنسان بأمر موافق لطبعه، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في الأمانة وجوه كثيرة منها من قال هو التكليف وسمي أمانة لأن من قصر فيه / فعليه الغرامة، ومن وفر فله الكرامة. ومنهم من قال هو قول لا إله إلا الله وهو بعيد فإن السموات والأرض والجبال بألسنتها ناطقة بأن الله واحد لا إله إلا هو، ومنهم من قال الأعضاء فالعين أمانة ينبغي أن يحفظها والأذن كذلك واليد كذلك، والرجل والفرج واللسان، ومنهم من قال معرفة الله بما فيها والله أعلم.
المسألة الثانية : في العرض وجوه منهم من قال المراد العرض ومنهم من قال الحشر ومنهم من قال المقابلة أي قابلنا الأمانة على السموات فرجحت الأمانة على أهل السموات والأرض.
المسألة الثالثة :﴿فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ وجهان أحدهما : أن المراد هي بأعيانها، والثاني : المراد أهلوها، ففيه إضمار تقديره : إنا عرضنا الأمانة على أهل السموات والأرض.
المسألة الرابعة : قوله :﴿فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا﴾ لم يكن إباؤهن كإباء إبليس في قوله تعالى :﴿أَبَى ا أَن يَكُونَ مَعَ السَّـاجِدِينَ﴾ (الحجر : ٣١) من وجهين أحدهما : أن هناك السجود كان فرضاً، وههنا الأمانة كانت عرضاً وثانيهما : أن الإباء كان هناك استكباراً وههنا استصغاراً استصغرن أنفسهن، بدليل قوله :﴿وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ١٩٠


الصفحة التالية
Icon