أما الأول : فلأنه عالم وقادر والثاني : فلأنه غني واسع والثالث : فلأنه كريم، وقد ذكر ذلك بقوله :﴿يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (البقرة : ٢١٢) وما ذكرنا هو المراد، أي يرزقه حلالاً لا يحاسبه عليه والرابع : فلأنه علي كبير والثواب يطلبه الأدنى من الأعلى، ألا ترى أن هبة الأعلى من الأدنى لا تقتضي ثواباً.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٢١٣
المسألة الثانية : قوله تعالى :﴿وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُه ﴾ يحقق معنى قوله عليه الصلاة والسلام :"ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر اللهم اعط ممسكاً تلفاً" وذلك لأن الله تعالى ملك على وهو غني ملى، فإذا قال أنفق وعلى بدله فبحكم الوعد يلزمه، كما إذا قال قائل : ألق متاعك في البحر وعلى ضمانه، فمن أنفق فقد أتى بما هو شرط حصول البدل فيحصل البدل، ومن لم ينفق فالزوال لازم للمال ولم يأت بما يستحق عليه من البدل فيفوت من غير خلف وهو التلف، ثم إن من العجب أن التاجر إذا علم أن مالاً من أمواله في معرض الهلاك يبيعه نسيئة، وإن كان من الفقراء ويقول بأن ذلك أولى من الإمهال إلى الهلاك، فإن لم يبع حتى يهلك ينسب إلى الخطأ، ثم إن حصل به كفيل ملىء ولا يبيع ينسب إلى قلة العقل، فإن حصل به رهن وكتب به وثيقة ولا يبيعه ينسب إلى الجنون، ثم إن كل أحد يفعل هذا ولا يعلم أن ذلك قريب من الجنون، فإن أموالنا كلها في معرض الزوال المحقق، والإنفاق على الأهل والولد إقراض، وقد حصل الضامن الملىء وهو الله العلي وقال تعالى :﴿وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُه ﴾ ثم رهن عند كل واحد إما أرضاً أو بستاناً أو طاحونة أو حماماً أو منفعة، فإن الإنسان لا بد من أن يكون له صنعة أو جهة يحصل له منها مال وكل ذلك ملك الله وفي يد الإنسان بحكم العارية فكأنه مرهون بما تكفل الله من رزقه ليحصل له الوثوق التام/ ومع هذا لا ينفق ويترك ماله ليتلف لا مأجوراً ولا مشكوراً.
المسألة الثالثة : قوله :﴿خَيْرُ الراَّزِقِينَ﴾ ينبىء عن كثرة في الرازقين ولا رازق إلا الله، فما الجواب عنه ؟
فنقول عنه جوابان أحدهما : أن يقال الله خير الرازقين الذين تظنونهم رازقين وكذلك في قوله تعالى : وهو ﴿أَحْسَنُ الْخَـالِقِينَ﴾ (الصافات : ١٢٥) وثانيهما : هو أن الصفات منها ما حصل لله وللعبد حقيقة، ومنها ما يقال لله بطريق الحقيقة وللعبد بطريق المجاز، ومنها ما يقال لله بطريق الحقيقة ولا يقال للعبد لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز لعدم حصوله للعبد لا حقيقة ولا صورة، مثال الأول العلم، فإن الله يعلم أنه واحد والعبد يعلم أنه واحد بطريق الحقيقة، وكذلك العلم بكون النار حارة، غاية ما في الباب أن علمه قديم وعلمنا حادث، مثال الثاني الرازق والخالق، فإن العبد إذا أعطى غيره شيئاً فإن الله هو المعطي، ولكن لأجل صورة العطاء منه سمي معطياً، كما يقال للصورة المنقوشة على الحائط فرس وإنسان، مثال الثالث الأزلي والله وغيرهما، وقد يقال في أشياء في الإطلاق على العبد حقيقة وعلى الله مجازاً كالاستواء والنزول والمعية ويد الله وجنب الله.
جزء : ٢٥ رقم الصفحة : ٢١٣
٢١٣


الصفحة التالية
Icon