ثم بين الله تعالى أن إيمانهم لا نفع فيه بسبب أنهم كفروا به من قبل، والإشارة في قوله :/ ﴿بِه إِنَّهُ﴾ وقوله :﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِه مِن قَبْلُ ﴾ إلى شيء واحد، إما محمد عليه الصلاة والسلام وإما القرآن وإما الحق الذي أتى به محمد عليه السلام وهو أقرب وأولى، وقوله :﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ﴾ ضد يؤمنون بالغيب لأن الغيب ينزل من الله على لسان الرسول، فيقذفه الله في القلوب ويقبله المؤمن، وأما الكافر فهو يقذف بالغيب، أي يقول ما لا يعلمه، وقوله :﴿مِن مَّكَانا بَعِيدٍ﴾ يحتمل أن يكون المراد منه أن مأخذهم بعيد أخذوا الشريك من أنهم لا يقدرون على أعمال كثيرة إلا إذا كانوا أشخاصاً كثيرة، فكذلك المخلوقات الكثيرة وأخذوا بعد الإعادة من حالهم وعجزهم عن الإحياء، فإن المريض يداوى فإذا مات لا يمكنهم إعادة الروح إليه، وقياس الله على المخلوقات بعيد المأخذ، ويحتمل أن يقال إنهم كانوا يقولون بأن الساعة إذا كانت قائمة فالثواب والنعيم لنا، كقول قائلهم :﴿وَلَا ِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّى إِنَّ لِى عِندَه لَلْحُسْنَى ﴾ (فصلت : ٥٠) فكانوا يقولون ذلك فإن كان من قول الرسول فما كان ذلك عندهم حتى يقولوا عن إحساس فإن ما لا يجب عقلاً لا يعلم إلا بالإحساس أو بقول الصادق، فهم كانوا يقولون عن الغيب من مكان بعيد، فإن قيل قد ذكرت أن الآخرة قريب فكيف قال من مكان بعيد ؟
نقول الجواب عنه من وجهه أحدهما : أن ذلك قريب عند من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلّم ومن لم يؤمن لا يمكنه التصديق به فيكون بعيداً عنده الثاني : أن الحكاية يوم القيامة، فكأنه قال كانوا يقذفون من مكان بعيد وهو الدنيا، ويحتمل وجهاً آخر وهو أنهم في الآخرة يقولون :﴿رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا﴾ (السجدة : ١٢) وهو قذف بالغيب من مكان بعيد وهو الدنيا.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٢١
٢٢٢
ثم قال تعالى :﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ من العود إلى الدنيا أو بين لذات الدنيا، فإن قيل : كيف يصح قولك ما يشتهون من العود مع أنه تعالى قال :﴿كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُا إِنَّهُمْ كَانُوا فِى شَكٍّ مُّرِيب ﴾ وما حيل بينهم وبين العود ؟
قلنا لم قلتم إنه ما حيل بينهم، بل كل من جاءه الملك طلب التأخير ولم يعط وأرادوا أن يؤمنوا عند ظهور اليأس ولم يقبل، وقوله :﴿مُرِيبٍ﴾ يحتمل وجهين أحدهما : ذي ريب والثاني : موقف في الريب، وسنذكره في موضع آخر إن شاء الله تعالى، والله أعلم بالصواب، والحمد لله رب العالمين وصلاته على خير خلقه محمد النبي وآله وصحبه وأزواجه أجمعين.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٢٢
٢٢٢


الصفحة التالية
Icon