ثم لما بين أنه لا خلق للأصنام ولا قدرة لها ولا على جزء من الأجزاء بين أن الله قدير بقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ أَن تَزُولا وَلَـاـاِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّنا بَعْدِه ا إِنَّه كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ ويحتمل أن يقال لما بين شركهم قال مقتضى شركهم زوال السموات والأرض كما قال تعالى :﴿تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الارْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـانِ وَلَدًا﴾ ويدل على هذا قوله تعالى في آخر الآية :﴿إِنَّه كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ كان حليماً ما ترك تعذيبهم إلا حلماً منه وإلا كانوا يستحقون إسقاط السماء وانطباق الأرض عليهم وإنما أخر إزالة السموات إلى قيام الساعة حلماً، وتحتمل الآية وجهاً ثالثاً : وهو أن يكون ذلك من باب التسليم وإثبات المطلوب على تقدير التسليم أيضاً كأنه تعالى قال شركاؤكم ما خلقوا من الأرض شيئاً ولا في السماء جزءاً ولا قدروا على الشفاعة، فلا عبادة لهم. وهب أنهم فعلوا شيئاً من الأشياء فهل يقدرون على إمساك السموات والأرض ؟
ولا يمكنهم القول بأنهم يقدرون لأنهم ما كانوا يقولون به، كما قال تعالى عنهم :﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه ﴾ ويؤيد هذا قوله :﴿وَلَـاـاِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّنا بَعْدِه ﴾ فإذا تبين أن لا معبود إلا الله من حيث إن غيره لم يخلق من الأشياء وإن قال الكافر بأن غيره خلق فما خلق مثل ما خلق فلا شريك له إنه كان حليماً غفوراً، حليماً حيث لم يعجل في إهلاكهم بعد إصرارهم على إشراكهم وغفوراً يغفر لمن تاب ويرحمه وإن استحق العقاب.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٤٨
٢٥٠
ثم قال تعالى :﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـانِهِمْ لَـاـاِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الامَمِا فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا﴾.
لما بين إنكارهم للتوحيد ذكر تكذيبهم للرسول ومبالغتهم فيه حيث إنهم كانوا يقسمون على أنهم لا يكذبون الرسل إذا تبين لهم كونهم رسلاً وقالوا : إنما نكذب بمحمد صلى الله عليه وسلّم لكونه كاذباً، ولو تبين لنا كونه رسولاً لآمنا كما قال تعالى عنهم :﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـانِهِمْ لَـاـاِن جَآءَتْهُمْ ءَايَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ﴾ وهذا مبالغة منهم في التكذيب، كما أن من ينكر دين إنسان قد يقول والله لو علمت أن له شيئاً علي لقضيته وزدت له، إظهاراً لكونه مطالباً بالباطل، فكذلك ههنا عاندوا وقالوا والله لو جاءنا رسول لكنا أهدى الأمم فلما جاءهم نذير أي محمد صلى الله عليه وسلّم جاءهم أي صح مجيؤه لهم بالبينة ما زادهم إلا نفوراً، فإنهم قبل الرسالة كانوا كافرين بالله وبعدها صاروا كافرين بالله ورسوله ولأنهم قبل الرسالة ما كانوا معذبين كما صاروا، بعد الرسالة وقال بعض المفسرين : إن أهل مكة كانوا يلعنون اليهود والنصارى على أنهم كذبوا برسلهم لما جاءوهم وقالو لو جاءنا رسول لأطعناه / واتبعناه، وهذا فيه إشكال من حيث إن المشركين كانوا منكرين للرسالة والحشر مطلقاً، فكيف كانوا يعترفون بالرسل، فمن أين عرفوا أن اليهود كذبوا وما جاءهم كتاب ولولا كتاب الله وبيان رسوله من أين كان يعلم المشركون أنهم صدقوا شيئاً وكذبوا في شيء ؟
بل المراد ما ذكرنا أنهم كانوا يقولون نحن لو جاءنا رسول لا ننكره وإنما ننكر كون محمد رسولاً من حيث إنه كاذب ولو صح كونه رسولاً لآمنا وقوله :﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ﴾ أي فلما صح لهم مجيؤه بالمعجزة، وفي قوله :﴿أَهْدَى ﴾ وجهان أحدهما : أن يكون المراد أهدى مما نحن عليه وعلى هذا فقوله :﴿مِنْ إِحْدَى الامَمِ ﴾ للنبيين كما يقول القائل زيد من المسلمين ويدل على هذا قوله تعالى :﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا﴾ أي صاروا أضل مما كانوا وكانوا يقولون نكون أهدى وثانيهما : أن يكون المراد أن نكون أهدى من إحدى الأمم كما يقول القائل زيد أولى من عمرو، وفي الأمم وجهان أحدهما : أن يكون المراد العموم أي أهدى من أي إحدى الأمم وفيه تعريض وثانيهما : أن يكون المراد تعريف العهد أي أمة محمد وموسى وعيسى ومن كان في زمانهم.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٥٠


الصفحة التالية
Icon