المسألة الخامسة : الكتابة قبل الإحياء فكيف أخر في الذكر حيق قال : نحيي ونكتب ولم يقل نكتب ما قدموا ونحييهم نقول الكتابة معظمة لأمر الإحياء لأن الإحياء إن لم يكن للحساب لا يعظم والكتابة في نفسها إن لم تكن إحياء وإعادة لا يبقى لها أثر أصلاً فالإحياء هو المعتبر والكتابة مؤكدة معظمة لأمره/ فلهذا قدم الإحياء ولأنه تعالى لما قال :﴿إِنَّا نَحْنُ﴾ وذلك يفيد العظمة والجبروت، والإحياء عظيم يختص بالله والكتابة دونه فقرن بالتعريف الأمر العظيم وذكر ما يعظم ذلك العظيم وقوله :﴿وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَـاهُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ يحتمل وجوهاً أحدها : أن يكون ذلك بياناً لكون ما قدموا وآثارهم أمراً مكتوباً عليهم لا يبدل، فإن القلم جف بما هو كائن فلما قال :﴿وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُوا ﴾ بين أن قبل ذلك كتابة أخرى فإن الله كتب عليهم أنهم سيفعلون كذا وكذا ثم إذا فعلوه كتب عليهم أنهم فعلوه وثانيها : أن يكون ذلك مؤكداً لمعنى قوله :﴿وَنَكْتُبُ﴾ لأن من يكتب شيئاً في أوراق ويرميها قد لا يجدها فكأنه لم يكتب فقال : نكتب ونحفظ ذلك في إمام مبين وهذا كقوله تعالى :﴿عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى فِى كِتَـابٍا لا يَضِلُّ رَبِّى وَلا يَنسَى﴾ وثالثها : أن يكون ذلك تعميماً بعد / التخصيص كأنه تعالى يكتب ما قدموا وآثارهم وليست الكتابة مقتصرة عليه، بل كل شيء محصي في إمام مبين، وهذا يفيد أن شيئاً من الأقوال والأفعال لا يعزب عن علم الله ولا يفوته، وهذا كقوله تعالى :﴿وَكُلُّ شَىْءٍ فَعَلُوهُ فِى الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ﴾ يعني ليس ما في الزبر منحصراً فيما فعلوه بل كل شيء فعلوه مكتوب، وقوله :﴿أَحْصَيْنَـاهُ﴾ أبلغ من كتبناه لأن من كتب شيئاً مفرقاً يحتاج إلى جمع عدده فقال : هو محصي فيه وسمي الكتاب إماماً لأن الملائكة يتبعونه فما كتب فيه من أجل ورزق وإحياء وإماتة اتبعوه وقيل هو اللوح المحفوظ، وإمام جاء جمعاً في قوله تعالى :﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسا بِإِمَـامِهِمْ ﴾ أي بأئمتهم وحينئذٍ فإمام إذا كان فرداً فهو ككتاب وحجاب وإذا كان جمعاً فهو كجبال وحبال والمبين هو المظهر للأمور لكونه مظهراً للملائكة ما يفعلون وللناس ما يفعل بهم وهو الفارق يفرق بين أحوال الخلق فيجعل فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٦٠
٢٦١
ثم قال تعالى :﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا أَصْحَـابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾.
وفيه وجهان، والترتيب ظاهر على الوجهين الوجه الأول : هو أن يكون المعنى واضرب لأجلهم مثلاً والثاني : أن يكون المعنى واضرب لأجل نفسك أصحاب القرية لهم مثلاً أي مثلهم عند نفسك بأصحاب القرية وعلى الأول نقول لما قال الله :﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ وقال :﴿لِتُنذِرَ﴾ قال قل لهم :﴿مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ﴾ بل قبلي بقليل جاء أصحاب القرية مرسلون وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة، وعلى الثاني نقول لما قال الله تعالى إن الإنذار لا ينفع من أضله الله وكتب هليه أنه لا يؤمن قال للنبي عليه الصلاة والسلام فلا تأس واضرب لنفسك ولقومك مثلاً، أي مثل لهم عند نفسك مثلاً حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا وصبر الرسل على القتل والإيذاء، وأنت جئتهم واحداً وقومك أكثر من قوم الثلاثة فإنهم جاؤا قرية وأنت بعثت إلى العالم، وفي التفسير مسائل :
المسألة الأولى : ما معنى قول القائل ضلاب مثلاً ؟
وقوله تعالى :﴿وَاضْرِبْ﴾ مع أن الضرب في اللغة، إما إمساس جسم جسماً بعنف، وإما السير إذا قرن به حرف في كقوله تعالى :﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الارْضِ﴾ ؟
نقول قوله ضرب مثلاً معناه مثل مثلاً، وذلك لأن الضرب اسم للنوع يقال هذه الأشياء من ضرب واحد أي اجعل هذا وذاك من ضرب واحد.
المسألة الثانية : أصحاب القرية، معناه واضرب لهم مثلاً مثل أصحاب القرية فترك المثل وأقيم الأصحاب مقامه في الإعراب كقوله :﴿وَسْـاَلِ الْقَرْيَةَ﴾ هذا قول الزمخشري في الكشاف، ويحتمل أن يقال لا حاجة إلى الإضمار بل المعنى اجعل أصحاب القرية لهم مثلاً أو مثل أصحاب القرية بهم.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٦١