المسألة الأولى : قال :﴿إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـانُ بِضُرٍّ﴾ ولم يقل إن يرد الرحمن بي ضراً، وكذلك قال تعالى :﴿إِنْ أَرَادَنِىَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَـاشِفَـاتُ ضُرِّه ﴾ (الزمر : ٣٨) ولم يقل إن أراد الله بي ضراً، نقول الفعل إذا كان متعدياً إلى مفعول واحد تعدى إلى مفعولين بحرف كاللازم يتعدى بحرف في قولهم ذهب به وخرج به/ ثم إن المتكلم البليغ يجعل المفعول بغير حرف ما هو أولى بوقوع الفعل عليه ويجعل الآخر مفعولاً بحرف فإذا قال القائل مثلاً ؟
كيف حال فلان : يقول اختصه الملك بالكرامة والنعمة فإذا قال كيف كرامة الملك ؟
يقول : اختصها بزيد فيجعل المسؤول مفعولاً بغير حرف لأنه هو المقصود إذا علمت هذا فالمقصود فيما نحن فيه بيان كون العبد تحت تصرف الله يقلبه كيف يشاء في البؤس والرخاء، وليس الضر بمقصود بيانه، كيف والقائل مؤمن يرجو الرحمة والنعمة بناءً على إيمانه بحكم وعد الله ويؤيد هذا قوله من قبل ﴿الَّذِى فَطَرَنِى﴾ (يس : ٢٢) حيث جعل نفسه مفعول الفطرة فكذلك جلعها مفعول الإرارة وذكر الضر وقع تبعاً وكذا القول في قوله تعالى :﴿إِنْ أَرَادَنِىَ اللَّهُ بِضُرٍّ﴾ (الزمر : ٣٨) المقصود بيان أن يكون كما يريد الله وليس الضر بخصوصه مقصوداً بالذكر ويؤيده ما تقدم حيث قال تعالى :﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه ﴾ (الزمر : ٣٦) يعني هو تحت إرادته ويتأيد ما ذكرناه بالنظر في قوله تعالى :﴿قُلْ مَن ذَا الَّذِى يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُواءًا﴾ (الأحزاب : ١٧) حيث خالف هذا النظم وجعل المفعول من غير حرف السوء وهو كالضر والمفعول بحرف هو المكلف، وذلك لأن المقصود ذكر الضر للتخويف وكونهم محلاً له، وكيف لا وهم كفرة استحقوا العذاب بكفرهم فجعل الضر مقصوداً بالذكر لزجرهم، فإن قيل فقد ذكر الله الرحمة أيضاً حيث قال :﴿أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ﴾ (الأحزاب : ١٧) نقول المقصود ذلك، ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا﴾ (الأحزاب : ١٧) وإنما ذكر الرحمة تتمة للأمر بالتقسيم الحاصر، وكذلك إذا تأملت في قوله تعالى :﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِم قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْـاًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ﴾ (الفتح : ١١) فإن الكلام أيضاً مع الكفار وذكر النفع وقع تبعاً لحصر الأمر بالتقسيم، ويدل عليه قوله تعالى :﴿بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرَا ﴾ (الفتح : ١١) فإنه للتخويف، وهذا كقوله تعالى :﴿وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾ (سبأ : ٢٤)، والمقصود إني على هدى وأنتم في ضلال، ولو قال هكذا لمنع فقال بالتقسيم كذلك ههنا/المقصود الضر واقع بكم ولأجل دفع المانع قال الضر والنفع.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٦٧