المسألة الثالثة : ما في قوله :﴿وَمَا عَمِلَتْهُ﴾ من أي الماءات هي ؟
نقول فيها وجوه أحدها : نافية كأنه قال : وما عملت التفجير أيديهم بل الله فجر وثانيها : موصولة بمعنى الذي كأنه قال والذي عملته أيديهم من الغراس بعد التفجير يأكلون مه أيضاً ويأكلون من ثمر الله الذي أخرجه من غير سعي من الناس، فعطف الذي عملته الأيدي على ما خلقه الله من غير مدخل للإنسان فيها وثالثها : هي مصدرية على قراءة من قرأ (وما عملت) من غير ضمير عائد معناه ليأكلوا من ثمره وعمل أيديهم يعني يغرسون والله ينبتها ويخلق ثمرها فيأكلون مجموع عمل أيديهم وخلق الله، وهذا الوجه لا يمكن على قراءة من قرأ مع الضمير.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٧٦
المسألة الرابعة : على قولنا ما موصولة، يحتمل أن يكون بمعنى وما عملته أي بالتجارة كأنه ذكر نوعي ما يأكل الإنسان بهما، وهما الزراعة والتجارة، ومن النبات ما يؤكل من غير عمل الأيدي كالعنب والتمر وغيرهما ومنه ما يعمل فيه عمل صنعة فيؤكل كالأشياء التي لا تؤكل إلا مطبوخة أو كالزيتون الذي لا يؤكل إلا بعد إصلاح، ثم لما عدد النعم أشار إلى الشكر بقوله :﴿أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ وذكر بصيغة الاستفهام لما بينا من فوائد الاستفهام فيما تقدم. ثم قال تعالى :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٧٦
٢٧٧
قد ذكرنا أن لفظة سبحان علم دال على التسبيح وتقديره سبح تسبيح الذي خلق الأزواج كلها، ومعنى سبح نزه، ووجه تعلق الآية بما قبلها هو أنه تعالى لما قال :﴿أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ (يس : ٣٥) وشكر/الله بالعبادة وهم تركوها ولم يقتنعوا بالترك بل عبدوا غيره وأتوا بالشرك فقال : سبحان الذي خلق الأزواج وغيره لم يخلق شيئاً فقال أو نقول، لما بين أنهم أنكروا الآيات ولم يشكروا بين ما ينبغي أن يكون عليه العاقل فقال :﴿سُبْحَـانَ الَّذِى خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا﴾ أو نقول لما بين الآيات قال : سبحان الذي خلق ما ذكره عن أن يكون له شريك أو يكون عاجزاً عن إحياء الموتى وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله :﴿كُلَّهَا﴾ يدل على أن أفعال العباد مخلوقة لله لأن الزوج هو الصنف وأفعال العباد أصناف ولها أشباه واقعة تحت أجناس الأعراض فتكون من الكل الذي قال الله فيها إنه خلق الأزواج كلها، لا يقال مما تنبت الأرض، يخرج الكلام عن العموم لأن من قال أعطيت زيداً كل ما كان لي يكون للعموم إن اقتصر عليه، فإذا قال بعده من الثياب لا يبقى الكلام على عمومه لأنا نقول ذلك إذا كانت من لبيان التخصيص، أما إذا كانت لتأكيد العموم فلا، بدليل أن من قال أعطيته كل شيء من الدواب والثياب والعبيد والجواري يفهم منه أنه يعدد الأصناف لتأكيد العموم ويؤيد هذا قوله تعالى في حم :﴿وَالَّذِى خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالانْعَـامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ (الزخرف : ١٢) من غير تقييد.
المسألة الثانية : ذكر الله تعالى أموراً ثلاثة ينحصر فيها المخلوقات فقوله :﴿مِمَّا تُنابِتُ الارْضُ﴾ يدخل فيها ما في الأرض من الأمور الظاهرة كالنبات والثمار وقوله :﴿وَمِنْ أَنفُسِهِمْ﴾ يدخل فيها الدلائل النفسية وقوله :﴿وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ﴾ يدخل ما في أقطار السموات وتخوم الأرضين وهذا دليل على أنه لم يذكر ذلك للتخصيص بدليل أن الأنعام مما خلقها الله والمعادن لم يذكرها وإنما ذكر الأشياء لتأكيد معنى العموم كما ذكرنا في المثال.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٧٧
المسألة الثالثة : قوله ﴿وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ﴾ فيه معنى لطيف وهو أنه تعالى إنما ذكر كون الكل مخلوقاً لينزه الله عن الشريك فإن المخلوق لا يصلح شريكاً للخلق، لكن التوحيد الحقيقي لا يحصل إلا بالاعتراف بأن لا إله إلا الله، فقال تعالى اعلموا أن المانع من التشريك فيما تعلمون وما لا تعلمون لأن الخلق عام والمانع من الشركة الخلق فلا تشركوا بالله شيئاً مما تعلمون فإنكم تعلمون أنه مخلوق ومما لا تعلمون فإنه عند الله كله مخلوق لكون كله ممكناً. ثم قال تعالى :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٧٧
٢٧٨