المسألة الخامسة : إذا كان هذا صفة للمرقد فكيف يصح قوله تعالى :﴿مَا وَعَدَ الرَّحْمَـانُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ ؟
نقول يكون ما وعد الرحمن، مبتدأ خبره محذوف تقديره ما وعد الرحمن حق، والمرسلون صدقوا، أو يقال ما وعد الرحمن وصدق فيه المرسلون حق، والأول أظهر لقلة/الإضمار، أو يقال ما وعد الرحمن خبر مبتدأ محذوف تقديره هو ما وعد الرحمن من البعث ليس تنبيهاً من النوم، وصدق المرسلون فيما أخبروكم به.
المسألة السادسة : إن قلنا :﴿هَـاذَا﴾ إشارة إلى المرقد أو إلى البعث، فجواب الاستفهام بقولهم ﴿مَنا بَعَثَنَا﴾ أن يكون ؟
نقول : لما كان غرضهم من قولهم :﴿مَنا بَعَثَنَا﴾ حصول العلم بأنه بعث أو تنبيه حصل الجواب بقوله هذا بعث وعد الرحمن به ليس تنبيهاً، كما أن الخائف إذا قال لغيره ماذا تقول أيقتلني فلان ؟
فله أن يقول لا تخف ويسكت، لعلمه أن غرضه إزالة الرعب عنه وبه يحصل الجواب. ثم قال تعالى :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٩٤
٢٩٦
أي ما كانت النفخة إلا صيحة واحدة، يدل على النفخة قوله تعالى :﴿وَنُفِخَ فِى الصُّورِ﴾ (يس : ٥١) ويحتمل أن يقال إن كانت الواقعة، وقرئت الصيحة مرفوعة على أن كان هي التامة، بمعنى ما وقعت إلا صيحة، وقال الزمخشري : لو كان كذلك لكان الأحسن أن يقال : إن كان، لأنا لمعنى حينئذٍ ما وقع شيء إلا صيحة، لكن التأنيث جائز إحالة على الظاهر، ويمكن أن يقول الذي قرأ بالرفع أن قوله :﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ (الواقعة : ١) تأنيث تهويل ومبالغة، يدل عليه قوله :﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾ (الواقعة : ٢) فإنها للمبالغة فكذلك هنا قال :﴿إِن كَانَتْ إِلا صَيْحَةً﴾ مؤنثة تأنيث تهويل، ولهذا جاءت أسماء يوم الحشر كلها مؤنثة كالقيامة والقارعة والحاقة والطامة والصاخة إلى غيرها، والزمخشري يقول كاذبة بمعنى ليس لوقعتها نفس كاذبة، وتأنيث أسماء الحشر لكون الحشر مسمى بالقيامة، وقوله :﴿مُحْضَرُونَ﴾ دل على أن كونهم ﴿يَنسِلُونَ﴾ (يس : ٥١) إجباري لا اختياري. ثم بين ما يكون ف ذلك اليوم بقوله تعالى :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٩٦
٢٩٧
فقوله :﴿لا تُظْلَمُ نَفْسٌ﴾ ليأمن المؤمن ﴿وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ لييأس المجرم الكافر وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما الفائدة في الخطاب عند الإشارة إلى يأس المجرم بقوله :﴿وَلا تُجْزَوْنَ﴾ وترك الخطاب في الإشارة إلى أمان المؤمن من العذاب بقوله :﴿لا تُظْلَمُ﴾ ولم يقل ولا تظلمون أيها المؤمنون ؟
نقول لأن قوله :﴿لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْـاًا﴾ يفيد العموم وهو كذلك فإنها لا تظلم أبداً ﴿وَلا تُجْزَوْنَ﴾ مختص بالكافر، فإن الله يجزي المؤمن وإن لم يفعل فإن الله فضلاً مختصاً بالمؤمن وعدلاً عاماً، وفيه بشارة.
المسألة الثانية : ما المقتضى لذكر فاء التعقيب ؟
نقول لما قال :﴿مُحْضَرُونَ﴾ (يس : ٥٣) مجموعون والجمع للفصل والحساب، فكأنه تعالى قال إذا جمعوا لم يجمعوا إلا للفصل بالعدل، فلا ظلم عند الجمع للعدل، فصار عدم الظلم مترتباً عى الإحضار للعدل، ولهذا يقول القائل للوالي أو للقاضي : جلست للعدل فلا تظلم، أي ذلك يتقضي هذا ويستعقبه.
المسألة الثالثة : لا يجزون عين ما كانوا يعلمون، بل يجزون بما كانوا أو على ما كانوا وقوله :﴿وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يدل على أن الجزاء بعين العمل، لا يقال جزى يتعدى بنفسه وبالباء، يقال جزيته خيراً وجزيته بخير، لأن ذلك ليس من هذا لأنك إذا قلت جزيته بخير لا يكون الخير مفعولك، بل تكون الباء للمقابلة والسببية كأنك تقول جزيته جزاء بسبب ما فعل، فنقول الجواب عنه من وجهين : أحدهما : أن يكون ذلك إشارة على وجه المبالغة إلى عدم الزيادة وذلك لأن الشيء لا يزيد على عينه، فنقول قوله تعالى : تجزون بما كانوا يعملون في المساواة كأنه عين ما علموا يقال فلان يجاوبني حرفاً بحرف أي لا يترك شيئاً، وهذا يوجب اليأس العظيم الثاني : هو أن ما غير راجع إلى الخصوص، وإنما هي للجنس تقديره ولا تجزون إلا جنس العمل أي إن كان حسنة فحسنة، وإن كانت سيئة فسيئة فتجزون ما تعملون من السيئة والحسنة، وهذا كقوله تعالى :﴿وَجَزَا ؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ (الشورى : ٤٠).
ثم بين حال المحسن وقال :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٢٩٧
٢٩٧


الصفحة التالية
Icon