قريء بالتاء والياء، خطاباً مع النبي صلى الله عليه وسلّم وبالياء على وجهين أحدهما : أن يكون المنذر هو النبي صلى الله عليه وسلّم حيث سبق ذكره في قوله :﴿وَمَا عَلَّمْنَـاهُ﴾ (يس : ٦٩) وقوله :﴿وَمَا يَنابَغِى لَه ا ﴾ (يس : ٦٩). وثانيهما : أن يكون المراد أن القرآن ينذر والأول أقرب إلى المعنى والثاني : أقرب إل اللفظ، أما الأول : فلأن المنذر صفة للرسل أكثر وروداً من المنذر صفة للكتب وأما الثاني : فلأن القرآن أقرب المذكورين إلى قوله :﴿لِّيُنذِرَ﴾ وقوله :﴿مَن كَانَ حَيًّا﴾ أي : من/كان حي القلب، ويحتمل وجهين أحدهما : أن يكون المراد من كان حياً في علم الله فينذره به فيؤمن الثاني : أن يكون المراد لينذر به من كان حياً في نفس الأمر، أي : من آمن فينذره بما على المعاصي من العقاب وبما على الطاعة من الثواب ﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ أما قول العذاب وكلمته كما قال تعالى :﴿وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى لامْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (السجدة : ١٣) وقوله تعالى :﴿حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ﴾ (الزمر : ٧١) وذلك لأن الله تعالى قال :﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ (الإسراء : ١٥) فإذا جاء حق التعذيب على من وجد منه التكذيب، وأما القول المقول في الوحدانية والرسالة والحشر وسائر المسائل الأصولية الدينية فإن القرآن فيه ذكر الدلائل التي بها تثبت المطالب.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٠٦
٣٠٦
ثم إنه تعالى أعاد الوحدانية ودلائل دالة عليها فقال تعالى :﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعَـامًا﴾ أي) من جملة ما عملت أيدينا أي ما عملناه من غير معين ولا ظهير بل عملناه بقدرتنا وإرادتنا.
وقوله تعالى :﴿فَهُمْ لَهَا مَـالِكُونَ﴾ إشارة إلى إتمام الإنعام في خلق الأنعام، فإنه تعالى لو خلقها ولم يملكها الإنسان ما كان ينتفع بها.
وقوله :﴿وَذَلَّلْنَـاهَا لَهُمْ﴾ زيادة إنعم فإن المملوك إذا كان آبياً متمرداً لا ينفع، فلو كان الإنسان يملك الأنعام وهي نادة صادة لما تم الإنعام الذي في الركوب وإن كان يحصل الأكل كما في الحيوانات الوحشية، بل ما كان يكمل ننعمة الأكل أيضاً إلا بالتعب الذي في الاصطياد، ولعل ذلك لا يتهيأ (إلا) للبعض وفي البعض.
وقوله تعالى :﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ بيان لمنفعة التذليل إذ لولا التذليل لما وجدت إحدى المنفعتين وكانت الأخرى قليلة الوجود.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٠٦
ثم بين تعالى غير الركوب والأكل من الفوائد بقوله تعالى :﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَـافِعُ وَمَشَارِبُ ﴾ وذلك لأن من الحيوانات ما لا يركب كالغنم فقال : منافع لتعمها والمشارب كذلك عامة، إن قلنا بأن المراد جمع مشرب وهو الآنية فإن من الجلود ما يتخذ أواني للشرب والأدوات من القرب وغيرها، وإن قلنا : إن المراد المشروب وهو الألبان والأسمان فهي مختصة بالإناث ولكن بسبب الذكور فإن ذلك متوقف على الحمل وهو بالذكور والإناث.
ثم قال تعالى :﴿أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ هذه النعم التي توجب العبادة شكراً، ولو شكرتم لزادكم/ من فضله، ولو كفرتم لسلبها منكم، فما قولكم، أفلا تشكرون استدامة لها واستزادة فيها ؟
. ثم قال تعالى :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٠٦
٣٠٩
إشارة إلى بيان زيادة ضلالهم ونهايتها، فإنهم كان الواجب عليهم عبادة الله شكراً لأنعمه، فتركوها وأقبلوا على عبادة من لا يضر ولا ينفع، وتوقعوا منه النصرة مع أنهم هم الناصرون لهم كما قال عنهم :﴿حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا ءَالِهَتَكُمْ﴾ (الأنبياء : ٦٨) وفي الحقيقة لا هي ناصرة ولا منصورة. وقوله تعالى :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٠٩
٣٠٩
إشارة إلى الحشر بعد تقرير التوحيد، وهذا كقوله تعالى :﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ (الأنبياء : ٩٨) وقوله :﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ (الصافات : ٢٢، ٢٣) وقوله :﴿ أولئك فِى الْعَذَابِ﴾ (سبأ : ٣٨) وهو يحتمل معنيين أحدهما : أن يكون العابدون جنداً لما اتخذوه آلهة كما ذكرنا الثاني : أن يكون الأصنام جنداً للعابدين، وعلى هذا ففيه معنى لطيف وهو أنه تعالى لما قال :﴿لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ أكدها بأنهم لا يستطيعون نصرهم حال ما يكونون جنداً لهم ومحضرون لنصرتهم فإن ذلك دال على عدم الاستطاعة، فإن من حضر واجتمع ثم عجز عن النصرة يكون في غاية الضعف بخلاف م نلم يكن متأهباً ولم يجمع أنصاره.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٠٩
٣٠٩


الصفحة التالية
Icon