أي تعالى باللحم الصفة الثالثة : قوله تعالى :﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ والمعنى أنهم مرجومون بالشهب وهذا العذاب مسلط عليهم على سبيل الدوام، وذكرنا تفسير الواصب في سورة النحل عند قوله تعالى : دوله الدين واصباً} (النحل : ٥٢) قالوا كلهم إنه الدائم، قال الواحدي ومن فسر الواصب بالشديد والموجع فهو معنى وليس بتفسير.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٢٤
ثم قال تعالى :(النحل : ٥٢) قالوا كلهم إنه الدائم، قال الواحدي ومن فسر الواصب بالشديد والموجع فهو معنى وليس بتفسير.
ثم قال تعالى :﴿إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ ذكرنا معنى الخطف في سورة الحج قال الزجاج وهو أخذ الشيء بسرعة، وأصل خطف اختطف قال صاحب "الكشاف" ﴿مِّنْ﴾ في محل الرفع بدل من الواو في لا يسمعون أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي خطف الخطبة أي اختلس الكلمة على/ وجه المسارقة ﴿فَأَتْبَعَه ﴾ يعني لحقه وأصابه يقال تبعه وأتبعه إذا مضى في أثره وأتبعه إذا لحقه وأصله من قوله تعالى :﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَـانُ﴾ (الأعراف : ١٧٥) وقد مر تفسيره وقوله تعالى :﴿شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ قال الحسن ثاقب أي مضيء وأقول سمي ثاقباً لأنه يثقب بنوره الهواء/ قال ابن عباس في تفسير قوله :﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ (الطارق : ٣) قال : إنه رجل سمي بذلك لأنه يثقب بنوره سمك سبع سموات والله أعلم.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٢٤
٣٢٥
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : في بيان النظم اعلم أنا قد ذكرنا أن المقصد الأقصى من هذا الكتاب الكريم إثبات الأصول الأربعة وهي الإلهيات والمعاد والنبوة وإثبات القضاء والقدر. فنقول إنه تعاى افتتح هذه السورة بإثبات ما يدل على وجود الصانع ويدل على وحدانيته وهو خلق السموات والأرض وما بينهما وخلق المشارق والمغارب، فلما أحكم الكلام في هذا الباب فرع عليها إثبات القول بالحشر والنشر والقيامة.
واعلم أن الكلام في هذه المسألة يتعلق بطرفين أولهما إثبات الجواز العقلي وثانيهما إثبات الوقوع أما الكلام في المطلوب الأول فاعلم أن الاستدلال على الشيء يقع على وجهين أحدهما : أن يقال إنه قدر على ما هو أصعب وأشد وأشق منه فوجب أيضاً أن يقدر عليه والثاني : أن يقال إنه قدر عليه في إحدى الحالتين والفاعل والقابل باقيين كما كانا، فوجب أن تبقى القدرة عليه في الحالة الثانية والله تعالى ذكر هذين الطريقين في بيان أن القول بالبعث والقيامة أمر جائز ممكن. أما الطريق الأول : فهو المراد من قوله :﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا﴾ والتقدير كأنه تعالى يقول : استفت يا محمد هؤلاء المنكرين أهم أشد خلقاً من خلق السموات والأرض وما بينهما وخلق المشارق والمغارب وخلق الشياطين الذين يصعدون الفلك، ولا شك أنهم يعترفون بأن خلق هذا القسم أشق وأشد في العرف من خلق القسم الأول، فلما ثبت بالدلائل المذكورة في إثبات التوحيد كونه تعالى قادراً على هذا القسم الذي هو أشد وأصعب، فبأن يكون قادراً على إعادة الحياة في هذه الأجساد كان أولى، ونظير هذه الدلالة قوله تعالى في آخر يس ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ بِقَـادِرٍ عَلَى ا أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ﴾ (يس : ٨١) وقوله تعالى :﴿لَخَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ (غافر : ٥٧) وأما الطريق الثاني : فهو المراد من قوله :﴿إِنَّا خَلَقْنَـاهُم مِّن طِينٍ لازِب ﴾ والمعنى أن هذه الأجسام قابلة للحياة إذ لو لم تكن قابلة للحياة لما صارت حية في المرة الأولى والإله قادر على خلق هذه الحياة في هذه الأجسام، ولولا كونه تعالى قادراً على هذا المعنى لما حصلت الحياة في المرة الأولى، ولا شك أن قابلية تلك الأجسام باقية وأن قادرية الله تعالى باقية لأن هذه القابلية وهذه القادرية من الصفات الذاتية فامتنع زوالها فثبت بهذين الطريقين أن القول بالبعث والقيامة أمر/ممكن، ولما بين تعالى إمكان هذا المعنى بهذين الطريقين بين وقوعه بقوله ؛ ﴿قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ﴾ (الصافات : ١٨) وذلك لأنه ثبت صدق الرسول صلى الله عليه وسلّم لأجل ظهور المعجزات عليه والصادق إذا أخبر عن أمر ممكن الوقوع وجب الاعتراف بوقوعه فهذا تقرير نظم هذه الآية وهو في غاية الحسن والله أعلم.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٢٥
المسألة الثانية : في تفسير ألفاظ هذه الآية، أما قوله :﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ يعني أنه لما ثبت بالدلائل القاطعة كونه تعالى خالقاً للسموات والأرض وما بينهما فاستفت هؤلاء المنكرين وقل لهم ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا﴾ أم هذه الأشياء التي بينا كونه تعالى خالقاً لها ولم يحك عنهم أنهم أقروا أن خلق هذه الأشياء أصعب لأجل أن ظهور ذلك كالمعلوم بالضرورة فلا حاجة أن يحكى عنهم صحة أن الأمر كذلك.


الصفحة التالية
Icon