السؤال الأول : ما الفائدة في هذه الصيحة فإن القوم في تلك الساعة أموات لأن النفخة جارية مجرى السبب لحياتهم فتكون مقدمة على حصول حياتهم فثبت أن هذه الصيحة إنما حصلت حال كون الخلق أمواتاً، فتكون تلك الصيحة عديمة الفائدة فهي عبث والعبث لاة يجوز في فعل الله والجواب : أما أصحابنا فيقولون يفعل الله ما يشاء، وأما المعتزلة فقال القاضي فيه وجهان الأول : أن تعتبر بها الملائكة الثاني : أن تكون الفائدة التخويف والإرهاب.
السؤال الثاني : هل لتلك الصيحة تأثير في إعادة الحياة ؟
الجواب : لا، بدليل أن الصيحة الأولى استعقبت الموت والثانية الحياة وذلك يدل على أن الصيحة لا أثر لها في الموت ولا في الحياة، بل خالق الموت والحياة هو الله تعالى كما قال :﴿الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَواةَ﴾ (الملك : ٢).
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٢٩
السؤال الثالث : تلك الصيحة صوت الملائكة أو الله تعالى يخلقها ابتداء ؟
الجواب : الكل/ جائز إلا أنه روي أن الله تعالى يأمر إسرافيل حتى ينادي : أيتها العظام النخرة والجلود البالية والأجزاء المتفرقة اجتمعوا بإذن الله تعالى : اللفظ الارابع : من الألفاظ المذكورة في هذه الآية قوله تعالى :﴿فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ﴾ فيحتمل أن يكون المراد ينظرون ما يحدث بهم ويحتمل ينظر بعضهم إلى بعض وأن يكون المراد ينظرون إلى البعث الذي كذبوا به الحالة الثانية : من وقائع القيامة ما أخبر الله عنهم أنهم بعد القيام من القبور قالوا :﴿وَقَالُوا يَـاوَيْلَنَا هَـاذَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ قال الزجاج : الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة والمقصود أنهم لما شاهدوا القيامة قالوا :﴿هَـاذَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ أي يوم الجزاء هذا، والمقصود أن الله تعالى ذكر في آيات كثيرة من القرآن، أنا نرى في الدنيا محسناً ومسيئاً وعاصياً وصديقاً وزنديقاً، ورأينا أنه لم يصل إليهم في الدنيا ما يليق بهم من الجزاء فوجب القول بإثبات القيامة :﴿لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَـا ـاُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ (النجم : ٣١) وبالجملة فهذا يدل على أن الجزاء إنما يحصل بعد الموت/ والكفار وإن سمعوا هذا الدليل القوي لكنهم أنكروا وتمردوا ثم إنه تعالى إذا أحياهم يوم القيامة فإذا شاهدوا القيامة يذكرون ذلك اليوم ويقولون :﴿هَـاذَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ أي يوم الجزاء الذي ذكر الله الدلائل الكثيرة عليه في القرآن فكفرنا بها، ونظيره أن من خوف بشيء ولم يتلفت إليه، ثم عاينه بعد ذلك فقد يقول هذا يوم الواقعة الفلانية فكذا ههنا، وفيه احتمال آخر وهو أنه تعالى قال في سورة الفاتحة ﴿مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (الفاتحة : ٤) فبين أنه لا مالك في ذلك اليوم إلا الله فقولهم هذا يوم الدين، إشارة إلى أن هذا هو اليوم الذي لا حكم فيه لأحد إلا لله، وإنما ذكروه لما حصل في قلوبهم من الخوف الشديد.
أما قوله تعالى :﴿هَـاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِى كُنتُم بِه تُكَذِّبُونَ﴾ ففيه بحثان :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٢٩
الأول : اختلفوا في أن هذا هو من بقية كلام الكفار أو يقال تم كلامهم عند قوله تعالى :﴿هَـاذَا يَوْمُ الدِّينِ﴾. وأما قوله :﴿هَـاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ فهو كلام غيرهم، فبعضهم قال بالأول وزعم أن قوله :﴿هَـاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ الآية من كلام بعضهم لبعض، والأكثرون على القول الثاني واحتجوا بوجهين : الأول : أن قوله :﴿كُنتُم بِه تُكَذِّبُونَ﴾ من كلام بعضهم لبعض خطاب مع جميع الكفار فقائل هذا القول لا بد وأن يكون غير الكفار الثاني : أن قوله : داحشروا الذين ظلموا وأزواجهم} (الصافات : ٢٢) منسوق على قوله :(الصافات : ٢٢) منسوق على قوله :﴿هَـاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِى كُنتُم بِه تُكَذِّبُونَ﴾ فلما كان قوله : داحشروا الذين ظلموا} كلام غير الكفار فكذلك قوله : كلام غير الكفار فكذلك قوله :﴿هَـاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِى كُنتُم بِه تُكَذِّبُونَ﴾ يجب أن يكون كلام غير الكفار، وعلى هذا التقدير فقوله :﴿هَـاذَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ من كلام الكفار، وقوله :﴿هَـاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ من كلام الملائكة جواباً لهم، والوجه في كونه جواباً لهم أن أولئك الكفار، إنما اعتقدوا في أنفسهم كونهم محقين في إنكار دعوة الأنبياء عليهم السلام وكونهم محقين في تلك اوديان الفاسدة فقالوا :﴿هَـاذَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ أي هذا اليوم الذي يصل فيه إلينا جزاء طاعتنا وخيراتن، فالملائكة يقولون لهم إنه لا اعتبار بظواهر الأمور في هذا اليوم فإن هذا اليوم/ يفصل فيه الجزاء الحقيقي عن الجزاء الظاهري وتميز فيه الطاعات الحقيقية عن الطاعات المقرونة بالرياء والسمعة فبهذا الطريق صار هذا الكلام من الملائكة جواباً لما ذكره الكفار. ثم قال تعالى :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٢٩
٣٣١
وفي الآية أبحاث :


الصفحة التالية
Icon