وأما قوله :﴿إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ﴾ قرأ نافع برواية ورش لترديني بإثبات الياء في الوصل والباقون بحذفها.
المسألة الرابع : احتج أصحابنا على أن الهدى والضلال من الله تعالى بقوله تعالى :﴿وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّى لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ وقالوا : مذهب الخصم أن كل ما فعله الله تعالى من وجوه الإنعام في حق المؤمن فقد فعله في حق الكافر، وإذا كان ذلك الإنعام مشتركاً فيه امتنع أن يكون سبباً لحصول الهداية للمؤمن. وأن يكون سبباً لخلاصه من الكفر والردى فوجب أن تكون تلك النعمة المخصوصة أمراً زائداً على تلك الإنعامات التي حصل الاشتراك فيها، وما ذلك إلا بقوة الداعي إلى الإيمان وتكميل الصارف عن الكفر.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٤٠
المسألة الخامسة : احتج نفاة عذاب القبر بقول الرجل الذي من أهل الجنة ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلا مَوْتَتَنَا الاولَى ﴾ فهذا يدل على أن الإنسان لا يموت إلا مرة واحدة ولو حصلت الحياة في القبر لكان الموت حاصلاً مرتين والجواب : أن قوله :﴿إِلا مَوْتَتَنَا الاولَى ﴾ المراد منه كل ما وقع في الدنيا والله أعلم.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٤٠
٣٤٣
اعلم أنه تعالى لما قال بعد ذكر أهل الجنة ووصفها ﴿لِمِثْلِ هَـاذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَـامِلُونَ﴾ (الصافات : ٦١) أتبعه بقوله :﴿أَذَالِكَ خَيْرٌ نُّزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يورد ذلك على كفار قومه ليصير ذلك زاجراً لهم عن الكفر، وكما وصف من قبل مآكل أهل الجنة ومشاربهم وصف أيضاً في هذه الآية مآكل أهل النار ومشاربهم.
أما قوله :﴿أَذَالِكَ خَيْرٌ نُّزُلا أَمْ شَجَرَةُ﴾ فالمعنى أن الرزق المعلوم المذكور لأهل الجنة ﴿أَذَالِكَ خَيْرٌ نُّزُلا﴾ أي خير حاصلاً ﴿أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ وأصل النزل الفضل الواسع في الطعام يقال طعام كثير النزل، فاستعير للحاصل من الشيء، ويقال أرسل الأمير إلى فلان نزلاً وهو الشيء الذي يصلح حال من ينزل بسبه، إذا عرفت هذا فنقول حاصل يالرزق المعلوم لأهل الجنة اللذة والسرور، وحاصل شجرة الزقوم الألم والغم، ومعلوم أنه لا نسبة لأحدهما إلى الآخر في الخيرية إلا أنه جاء هذا الكلام، إما على سبيل السخرية بهم أو لأجل أن المؤمنين لما ختاروا ما أوصلهم إلى الرزق الكريم، والكافرين اختاروا ما أوصلهم إلى العذاب الأليم فقيل لهم ذلك توخبياً لهم على سوء اختيارهم، وأما ﴿الزَّقُّومِ﴾ فقال الواحدي رحمه الله لم يذكر المفسرون. للزقوم تفسيراً إلا الكلبي فإنه روي أنه لما نزلت هذه الآية قال ابن الزبعري أكثر الله في بيوتكم الزقوم، فإن أهل اليمن يسمون التمر والزبد بالزقوم، فقال أبو جهل لجاريته زقمينا فأتته بزبد وتمر، وقال : تزقموا. ثم قال الواحدي ومعلوم أن الله تعالى لم يرد بالزقوم ههنا الزبد والتمر، قال ابن دريد لم يكن للزقوم اشتقاق من التزقم وهو الإفراط من أكل الشيء حتى يكره ذلك يقال بات فلان يتزقم. وظاهر لفظ القرآن يدل على أنها شجرة كريهة الطعام منتنة الرائحة شديدة الخشونة موصوفة بصفات كل من تناولها عظم من تناولها، ثم إنه تعالى يكره أهل النار على تتناول بعض أجزائها.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٤٣
أما قوله تعالى :﴿إِنَّا جَعَلْنَـاهَا فِتْنَةً لِّلظَّـالِمِينَ﴾ ففيه أقوال : الأول : أنها إنما صارت فتنة للظالمين، من حيث إن الكفار لما سمعوا هذه الآية، قالوا : كيف يعقل أن تنبت الشجرة في جهنم/ مع أن النار تحرق الشجرة ؟
والجواب عنه أن خالق النار قادر على أن يمنع النار من إخراق الشجر، ولأنه إذا جاز أن يكون في النار زبانية والله تعالى يمنع النار عن إحراقهم فلم لا يجوز مثله في هذه الجشرة ؟
إذا عرفت هذا السؤال والجواب بمعنى كون شجرة الزقوم فتنة للظالمين هو أنهم لما سمعوا هذه الآية وقعت تلك الشبهة في قلوبهم وصارت تلك الشبهة سبباً لتماديهم في الكفر فهذا هو المراد من كونها فتنة لهم والوجه الثاني : في التفسير أن يكون المراد صيرورة هذه الشجرة فتنة لهم في النار لأنهم إذا كلفوا تناولها وشق ذلك عليهم/ فحينئذ يصير ذلك فتنة في حقهم الوجه الثالث : أن يكون المراد من الفتن الامتحان والاختبار، فإن هذا شيء بعيد عن العرف والعادة مخالف للمألوف والمعروف، فإذا ورد على سمع المؤمن فوض علمه إلى الله وإذا ورد على الزنديق توسل به إلى الطعن في القرآن والنبوة.


الصفحة التالية
Icon