ثم قال تعالى :﴿فَلَوْلا أَنَّه كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِى بَطْنِه إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ وفي تفسير كونه من المسبحين قولان الأول : أن المراد منه ما حكي الله تعالى عنه في آية أخرى أنه كان يقول في تلك الظلمات ﴿لا إِلَـاهَ إِلا أَنتَ سُبْحَـانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّـالِمِينَ﴾ (الأنبياء : ٨٧) الثاني : أنه لولا أنه كان قبل أن التقمه الحوت من المسبحين يعني المصلين وكان في أكثر الأوقات مواظباً على ذكر الله وطاعته للبث في بطن ذلك الحوت، وكان بطنه قبراً له إلى يوم البعث، قال بعضهم : اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، فإن يونس عليه السلام كان عبداً صالحاً ذاكراً لله تعالى، فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى :﴿ءَآلَْاـانَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾ (يونس : ٩١) واختلفوا في أنه كم لبث في بطن الحوت، ولفظ القرآن لا يدل عليه. قال الحسن : لم يلبث إلا قليلاً وأخرج من بطنه بعد الوقت الذي التقمه، وعن مقاتل بن حيان ثلاثة أيام وعن عطاء سبعة أيام وعن الضحاك عشرين يوماً وقيل شهراً ولا أدري بأي دليل عينوا هذه المقادير، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"سبح يونس في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا : ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة، فقال : ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، فقالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح ؟
قال : نعم، فشفعوا له فأمر الحوت فقذفه في الساحل" فذاك هو قوله :﴿فَنَبَذْنَـاهُ بِالْعَرَآءِ﴾ وفيه مباحث :
الأول : العراء المكان الخالي قال أبو عبيدة : إنما قيل له العراء لأنه لا شجر فيه ولا شيء يغطيه.
الثاني : أنه تعالى قال : فنبذناه بالعراء} فأضاف ذلك النبذ إلى نفسه، والنبذ إنما حصل بفعل الحوت، وهذا يدل على أن فعل العبد مخلوق الله تعالى.
ثم قال تعالى : فأضاف ذلك النبذ إلى نفسه، والنبذ إنما حصل بفعل الحوت، وهذا يدل على أن فعل العبد مخلوق الله تعالى.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٦٣
ثم قال تعالى :﴿وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ قيل : المراد أنه بلي لحمه وصار ضعيفاً كالطفل المولود كالفرخ الممعط الذي ليس عليه ريش، وقال : مجاهد سقيم أي : سليب.
ثم قال تعالى :﴿وَأَنابَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾ ظاهر اللفظ يدل على أن الحوت لما نبذه في العراء فالله تعالى أنبت عليه شجرة من يقطين وذلك المعجز له، قال : المبرد والزجاج كل شجر لا يقوم على ساق وإنما يمتد على وجه الأرض فهو يقطين، نحو الدباء والحنظل والبطيخ، قال : الزجاج أحسب اشتقاقها من قطن بالمكان إذا أقام به وهذا الشجر ورقة كله على وجه الأرض فلذلك قيل له اليقطين، روي الفراء أنه قيل عند ابن عباس هو ورق القرع، فقال : ومن جعل القرع من بين الشجر يقطيناً كل ورقة اتسعت وسترت فهي يقطين، قال : الواحدي رحنه الله والآية تقتضي شيئين لم يذكرهما المفسرون أحدهما : أن هذا اليقطين لم يكن قبل فأنبته الله لأجله والآخر : أن اليقطين كان معروشاً ليحصل له ظل، لأنه لو كان منبسطاً على الأرض لم يمكن أن يستظل به.
ثم قال تعالى :﴿وَأَرْسَلْنَـاهُ إِلَى مِا ئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ وفيه مباحث :
الأول : يحتمل أن يكون المراد وأرسلناه قبل أن يلتقمه الحوت وعلى هذا الإرسال وإن ذكر بعد الالتقام، فالمراد به التقديم والواو معناها الجمع، ويحتمل أن يكون المراد به الإرسال بعد اللالتقام، عن ابن عباس رضي الله تهما أنه قال : كانت رسالة يونس عليه السلام بعد ما نبذه الحوت، وعلى هذا التقدير يجوز أن يكون أرسل إلى قوم آخرين سوى القوم الأول، ويجوز أن يكون أرسل إلى الأولين ثانياً بشريعة فآمنوا بها.
البحث الثاني : ظاهر قوله :﴿أَوْ يَزِيدُونَ﴾ يوجب الشك وذلك على الله تعالى محال ونظيره قوله تعالى :﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ (المرسلات : ٦) وقوله تعالى :﴿لَّعَلَّه يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ (طه : ٤٤) وقوله تعالى :﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ (طه : ١١٣) وقوله تعالى :﴿وَمَآ أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ﴾ (النحل : ٧٧) وقوله تعالى :﴿وَمَآ أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ﴾ (النحل : ٧٧) وقوله تعالى :﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾ (النجم : ٩) وأجابوا عنه من وجوه كثيرة والأصح منها وجه واحد وهو أن يكون المعنى أو يزيدون في تقديركم بمعنى أنهم إذا رآهم الرائي قال : هؤلاء مائة ألف أو يزيدون على المائة، وهذا هو الجواب عن كل ما يشبه هذا.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٦٣
ثم قال تعالى :﴿فَـاَامَنُوا فَمَتَّعْنَـاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ والمعنى : أن أولئك الأقوام لما آمنوا أزال الله الخوف عنهم وآمنهم من العذاب ومتعهم الله إلى حين، أي : إلى الوقت الذي جعله الله أجلاً لكل واحد منهم.


الصفحة التالية
Icon