أي من الدلائل التي لو نظروا فيها لزال هذا الشك عنهم وذلك لأن كل ما ذكروه من الشبهات فهي كلمات ضعيفة وأما الدلائل التي تدل بنفسها على صحة نبوته، فهي دلائل قاطعة فلو تأملوا حق التأملفي الكلام لوقفوا على ضعف الشبهات التي تمسكوا بها في إبطال النبوة، ولعرفوا صحة الدلائل الدالة على صحة نبوته، فحيث لم يعرفوا ذلك كان لأجل أنهم تركووا النظر والاستدلال، فأما قوله تعالى :﴿بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ فموقعه من هذا الكلام أنه تعالى يقول هؤلاء إنما تركوا النظر والاستدلال لأني لم أذقهم عذابي، ولو ذاقوه لم يقع منهم "ءلا الإقبال على أداء المأمورات والانتهاء عن المنهيات وثانيها : أن يكون المراد في قوله ؛ ﴿بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى ﴾ هو أن النبي صلى الله عليه وسلّم مان يخوفهم من عذاب الله لو أصروا على الكفر، ثم أنهم أصروا على الكفر، ولم ينزل عليهم العذاب، فصار ذلك سبباً لشكهم في صدقه، وقالوا :﴿اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ﴾ (الأنفال : ٣٢) فقال :﴿بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى ﴾ معناه ما ذكرناه، وقوله تعالى :﴿بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ معناه أن ذلك الشك إنما حصل بسبب عدم نزول العذاب والوجه الثاني : من الوجوه التي ذكرها الله تعالى في الجواب عن تلك الشبهة قوله تعالى :﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَآاـاِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ﴾ وتقرير هذا الجواب أن منصب النبوة منصب عظيم ودرجة عالية والقادر على هبتها يجب أن يكون عزيزاً أي كامل القدرة ووهاباً أي عظيم الجود وذلك هو لله سبحانه وتعالى، وإذا كان هو تعالى كامل القدرة وكامل الجود، لم يتوقف كونه واهباً لهذه النعمة على كون الموهوب منه غنياً أو فقيراً، ولم يختلف ذلك أيضاً بسبب أن أعداءه يحبونه أو يكرهونه والوجه الثالث : في الجواب عن هذه الشبهة قوله تعالى :﴿أَمْ لَهُم مٌّلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيَنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِى الاسْبَـابِ﴾ واعلم أنه يجب أن يكون المراد من هذا الكلام مغايراً للمراد من قوله :﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَآاـاِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ﴾
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٨٦
يعني أن هذه الأشياء أحد ذكرنا الخزائن أولاً على عمومها أردفها بذكر ﴿مٌّلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيَنَهُمَا ﴾ يعني أن هذه الأشياء أحد أنواع خزائن الله، فإذا كنتم عاجزين عن هذا القسم، فبأن تكونوا عاجزين عن كل خزائن الله كان أولى، فهذا ما أمكنني ذكره في الفرق بين الكلامين، أما قوله تعالى :﴿فَلْيَرْتَقُوا فِى الاسْبَـابِ﴾ فالمعنى أنهم أن ادعوا أن لهم ملك السموات والأرض فعند هذا يقال لهم ارتقوا في الأسباب واصعدوا في المعارج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يرتقوا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت الله وينزلوا الوحي على من يختارون، واعلم أن حكماء الإسلام استدلوا بقوله :﴿فَلْيَرْتَقُوا فِى الاسْبَـابِ﴾ على أن الأجرام الفلكية وما أودع الله فيها من القوى والخواص أسباب لحوادث العالم السفلي لأن الله تعالى سمى الفلكيات أسباباً وذلك يدل على ما قلناه والله أعلم، أما قوله تعالى :﴿جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الاحَزَابِ﴾ ففيه مقامات من البحث أحدهما : في تفسير هذه الألفاظ والثاني : في كيفية تعلقها بما قبلها أما المقام الأول : فقوله :﴿جُندٌ﴾ مبتدأ وما للإيهام كقوله جئت لأمر ما، وعندي طعام ما، و﴿مِّنَ الاحَزَابِ﴾ صفة لجند و﴿مَهْزُومٌ﴾ خبر المبتدأ وأما قوله :﴿هُنَالِكَ﴾ فيجوز أن يكون صفة لجند أي جند ثابت هنالك، ويجوز أن يكون متعلقاً بمهزوم معناه أن الجند من الأحزاب مهزوم هنالك، أي في ذلك الموضع الذي كانوا يذكرون/ فيه هذه الكلمات الطاعنة في نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم وأما المقام الثاني : فهو أنه تعالى لما ضعيفون، فكيف يكونون مالكي السموات والأرض وما بينهما، قال قتادة هنالك إشارة إلى يوم بدر فأخبر الله تعالى بمكة أنه سيهزم جند المشركين فجاء تأويلها يوم بدر، وقيل يوم الخندق، والأصوب عندي حمله على يوم فتح مكة، وذلك لأن المنى أنهم جند سيصيرون منهزمين في الموضع الذي ذكروا فيه هذه الكلمات وذلك الموضع هو مكة، فوجب أن يكون المراد أنهم سيصيرون منهزمين في مكة وما ذاك إلا يوم الفتح. والله أعلم.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٣٨٦
٣٨٩
قوله تعالى :﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الاوْتَادِ * وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَـابُ لْـاَيْكَةِا أولئك الاحْزَابُ * إِن كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرٌّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ * وَمَا يَنظُرُ هَـا ؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ﴾.


الصفحة التالية
Icon