المسألة الأولى : قرأ أبو عمر ﴿وَءَاخَرُ﴾ بضم الألف على جمع أخرى أي أصناف أخر من العذاب، وهو قراءة مجاهد والباقون آخر على الواحد أي عذاب آخر، أما على قراءة الأولى فقوله وأخر أي ومذوقات أخر من شكل هذا المذوق، أي من مثله في الشدة والفظاعة، أزواج أي أجناس، وأما على القراءة الثانية فالتقدير وعذاب أو مذوق آخر، وأزواج صفة لآخر لأنه يجوز أن يكون ضروباً أو صفة للثلاثة وهم حميم وغساق وآخر من شكله. قال صاحب "الكشاف" : وقرىء من شكله بالكسر وهي لغة، وأما الغنجفبالكسر لا غير.
واعلم أنه تعالى لما وصف مسكن الطاغين ومأكولهم حكى أحوالهم الذين كانوا أحباء لهم/ في الدنيا أولاً، ثم مع الذين كانوا أعداء لهم في الدنيا ثانياً أما الأول : فهو قوله :﴿هَـاذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ﴾ واعلم أن هذا حكاية كلام رؤساء أهل النار يقوله بعضهم لبعض بدليل أن ما حكى بعد هذا من أقوال الأتباع وهو قوله :﴿قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبَا بِكُم أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ﴾، وقيل إن قوله :﴿هَـاذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ﴾ كلام الخزنة لرؤساء الكفرة في أتباعهم، وقوله :﴿لا مَرْحَبَا بِهِم إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ﴾ كلام الرؤساء، وقوله :﴿هَـاذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ﴾ أي هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار كما كانوا قد اقتحموا معكم في الجهل والضلال، ومعنى اقتحم معكم النار أي دخل النار في صحبتكم، والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها، والقحمة الشدة.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٤١٦
وقوله تعالى :﴿لا مَرْحَبَا بِهِمْ ﴾ دعاء منهم على أتباعهم، يقول الرجل لمن يدعو له مرحباً أي أتيت رحباً في البلاد لا ضيقاً أو رحبت بلادك رحباً، ثم يدخل عليه كلمة لا في دعاء السوء، وقوله :﴿بِهِمْ ﴾ بيان للمدعو عليهم أنهم صالوا النار تعليل لاستيجابهم الدعاء عليهم، ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾ (الأعراف : ٣٨) قالوا أي الأتباع ﴿بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبَا بِكُمْ ﴾ يريدون أن الدعاء الذي دعوتم به علينا أيها الرؤساء أنتم أحق به، وعللوا ذلك بقولهم :﴿أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ﴾ والضمير للعذاب أو لصليهم، فإن قيل ما معنى تقديمهم العذاب لهم ؟
قلنا الذي أوجب التقديم هو عمل السوء قال تعالى :﴿ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ (آل عمران : ١٨١، ١٨٢) إلا أن الرؤساء لما كانوا هم السبب فيه بإغوائهم وكان العذاب جزاءهم عليه قيل أنتم قدمتموه لنا فجعل الرؤساء هم المقدمين وجعل الجزاء هو المقدم، والضمير في قوله :﴿قَدَّمْتُمُوهُ﴾ كناية عن الطغيان الذي دل عليه قوله :﴿وَإِنَّ لِلطَّـاغِينَ لَشَرَّ مَـاَابٍ﴾ وقوله :﴿فَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ أي : بئس المستقر والمسكن جهنم، ثم قالت الأتباع ﴿رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـاذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا﴾ أي مضاعفاً ومعناه ذا ضعف ونظيره قوله تعالى :﴿رَبَّنَا هَـا ؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَـاَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا﴾ (الأعراف : ٣٨) وكذلك قوله تعالى :﴿رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَآ ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ (الأحزاب : ٦٧، ٦٨) فإن قيل كل مقدار يفرض من العذاب فإن كان بقدر الاستحقاق لم يكن مضاعفاً، وإن كان زائداً عليه كان ظالماً وإنه لا يجوز. قلنا المراد منه قوله عليه السلام :"ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" والمعنى أنه يكون أحد القسمين عذاب الضلال، والثاني عذاب الإضلال والله أعلم.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٤١٦
وههذنا آخر شرح أحوال الكفار مع الذين كانوا أحباباً لهم في الدنيا، وأما شرح أحوالهم مع الذين كانوا أعداء لهم في الدنيا فهو قوله :﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الاشْرَارِ﴾ يعني أن الكفار إذا نظروا إلى جوانب جهنم فيحنئذ يقولون :﴿مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الاشْرَارِ﴾ يعنون فقراء المسلمين الذين لا يؤبه بهم وسموهم من الأشرار، إما بمعنى الأراذل الذين لا خير فيهم ولا جدوى، أو لأنهم كانوا على خلاف دينهم فكانوا عندهم أشراراً ثم قالوا :﴿أَتَّخَذْنَـاهُمْ سِخْرِيًّا﴾ وفيه مسائل :