المسألة الثانية : من الناس من قال : فاعبد الله مخلصاً له الدين} المراد منه شهادة أن لا إله إلا الله، واحتجوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال :"لا إله إلا الله حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي" وهذا قول من يقول : لا تضر المعصية مع الإيمان كما لا تنفع الطاعة مع الكفر، وأما الأكثرون فقالوا : الآية متناولة لكل ما كلف الله به من الأوامر والنواهي، وهذا الأولى لأن قوله : المراد منه شهادة أن لا إله إلا الله، واحتجوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال :"لا إله إلا الله حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي" وهذا قول من يقول : لا تضر المعصية مع الإيمان كما لا تنفع الطاعة مع الكفر، وأما الأكثرون فقالوا : الآية متناولة لكل ما كلف الله به من الأوامر والنواهي، وهذا الأولى لأن قوله :﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ﴾ عام، وروي أن امرأة الفرزدق لما قرب وفاتها وأصت أن يصلي الحسن البصري عليها، فلما صلى عليها ودفنت، قال للفرزدق : يا أبا فراس ما الذي أعددت لهذا الأمر ؟
قال : شهادة أن لا إله إلا الله، فقال الحسن رضي الله عنه : هذا العمود فأين الطنب ؟
فبين بهذا أن عمود الخيمة لا ينتفع به إلا مع الطنب حتى يمكن الانتفاع بالخيمة، قال القاضي : فأما ما يروي أنه صلى الله عليه وسلّم قال لمعاذ وأبي الدرادء :"وإن زني وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء" فإن صح فإنه يجب أن يحمل عليه بشرط التوبة وإلا لم يجز قبول هذا الخبر لأنه مخالف للقرآن، ولأنه يوجب أن لا يكون الإنسان مزجوراً عن الزنا والسرقة، وأن لا يكون متعدياً بفعلهما لأنه مع شدة شهوته للقبيح يعلم أنه لا يضره مع تمسكه بالشهادتين فكأن ذلك إغراء بالقبيح، لأنا نقول إن من اعتقد أن ضرره يزول بالتوبة فقد اعتقد أن فعل القبيح مضرة إلا أنه يزيل ذلك الضرر بفعل التوبة بخلاف قول من يقول إن فعل القبيح لا يضر مع التمسك بالشهادتين. هذا تمام كلام القاضي، فيقال له : أما قولك إن القول بالمغفرة مخالف للقرآن فليس كذلك بل للقرآن يدل عليه قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِه وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَالِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ (النساء : ٤٨) وقال :﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ (الرعد : ٦) أي : حال ظلمهم كما يقال رأيت الأمير على أكله وشربه أي حال كونه آكلاً وشارباً، وقال :﴿قُلْ يَـاعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى ا أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّه إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ (الزمر : ٥٣)، وأما قوله : إن ذلك يوجب الإغراء بالقبيح، فيقال له إن كان الأمر كذلك وجب أن يقبح غفرانه عقلاً، وأيضاً فيلزم عليه أن لا يحصل الغفران بالتوبة، لأنه إذا علم أنه إذا أذنب ثم تاب غفر الله له لم ينزجر وأما/الفرق الذي ذكره القاضي فبعيد، لأنه إذا عزم على أن يتوب عنه في الحال علم أنه لا يضره ذلك الذنب ألبتة. ثم نقول مذهبنا أنا نقطع بحصول العفو عن الكبائر في الجملة/ فأما في حق كل واحد من الناس فذلك مشكوك فيه لأنه تعالى قال :﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَالِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ فقطع بحصول المغفرة في الجملة، إلا أنه سبحانه وتعالى لم يقطع بحصول هذا الغفران في حق كل أحد بل في حق من شاء وإذا كان كذلك كان الخوف حاصلاً فلا يكون الإغراء حاصلاً والله أعلم.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٤٢٩


الصفحة التالية
Icon