ثم قال تعالى :﴿لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا اصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُا سُبْحَـانَه ا هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ والمراد من هذا الكلام : إقامة الدلائل القاهرة على كونه منزهاً عن الولد وبيانه من وجوه الأول : أنه لو اتخذ ولداً لما رضي إلا بأكمل الأولاد وهو الإبن فكيف نسبتم إليه البنت الثاني : أنه سبحانه واحد حقيقي والواحد الحقيقي يمتنع أن يكون له ولد، أما أنه واحد حقيقي فلأنه لو كان مركباً لاحتاج إلى كل واحد من أجزائه وجزؤه غيره، فكان يحتاج إلى غيره والمحتاج إلى الغير ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يكون واجب الوجود لذاته، وأما أن الواحد لا يكون له ولد فلوجوه الأول : أن الولد عبارة عن جزء من أجزاء الشيء ينفصل عنه، ثم يحصل له صورة مساوية لصورة الوالد. وهذا إنما يعقل في الشيء الذي ينفصل منه جزء والفرد المطلق لا يقال ذلك فيه الثاني : شرط الولد أن يكون مماثلاً في تمام الماهية للوالد فتكون حقيقة ذلك الشيء حقيقة نوعية محمولة على شخصين، وذلك محال لأن تعيين كل واحد منهما إن كان من لوازم تلك الماهية لزم أن لا يحصل من تلك الماهية إلا الشخص الواحد، وإن لم يكن ذلك التعيين من لوازم تلك الماهية كان ذلك التعيين معلوماً بسبب منفصل، فلا يكون إلهاً واجب الوجود لذاته. فثبت أن كونه إلهاً واجب الوجود لذاته يوجب كونه واحداً في حقيقته، وكونه واحداً في حقيقته يمنع من ثبوت الولد له، فثبت أن كونه واحداً يمنع من ثبوت الولد الثالث : أن الولد لا يحصل إلا من الزوج والزوجة والزوجان لا بد وأن يكونا من جنس واحد، فلو كان له ولد لما كان واحداً بل كانت زوجته من جنسه، وأما أن كونه قهاراً يمنع من ثبوت الولد له، فلأن المحتاج إلى الولد هو الذي يموت فيحتاج/إلى ولد يقوم مقامه، فالمحتاج إلى الولد هو الذي يكون مقهوراً بالموت، أما الذي يكون قاهراً ولا يقهره غيره كان الولد في حقه محالاً، فثبت أن قوله :﴿هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ ألفاظ مشتملة على دلائل قاطعة في نفي الولد عن الله تعالى.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٤٢٩
٤٣٤
اعلم أن الآية المتقدمة دلت على أنه تعالى بين كونه منزهاً عن الولد بكونه إلهاً واحداً وقهاراً غالباً أي : كامل القدرة، فلما بني تلك المسألة على هذه الأصول ذكر عقيبها ما يدل على كمال القدرة وعلى كمال الاستغناء، وأياً فإنه تعالى طعن في إليهة الأصنام فذكر عقيبها الصفات التي باعتبارها تحصل الإلهية، واعلم أنا بينا في مواضع من هذا الكتاب أن الدلائل التي ذكرها الله تعالى في/ إثبات إليهته، إما أن تكون فلكية أو عنصرية، أما الفلكية فأقسام أحدها : خلق السموات والأرض، وهذا المعنى يدل على وجود الإله القادر من وجوه كثيرة شرحناها في تفسير قوله تعالى :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ (الأنعام : ١) والثاني : اختلاف أحوال الليل والنهار وهو المراد ههنا من قوله :﴿يُكَوِّرُ الَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى الَّيْلِ ﴾ وذلك لأن النور والظلمة عسكران مهيبان عظيمان، وفي كل يوم يغلب هذا ذاك تارة، وذلك هذا أخرى. وذلك يدل على أن كل واحد منهما مغلوب مقهور، ولا بد من غالب قاهر لهما يكونان. تحت تدبيره وقهره وهو الله سبحانه وتعالى، والمراد من هذا التكوير أنه يزيد في كل واحد منهما بقدر ما ينقص عن الآخر، والمراد من تكوير الليل والنهار ما ورد في الحديث :"نعوذ الله من الحور بعد الكور" أي : من الإدبار بعد الإقبال، واعلم أنه سبحانه وتعالى عبر عن هذا المعنى بقوله :
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٤٣٤
﴿يُكَوِّرُ الَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ﴾ وبقوله :﴿وَهُوَ الَّذِى﴾ (الأعراف : ٥٤) وبقوله :﴿يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ﴾ (فاطر : ١٣) وبقوله :﴿وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ﴾ (الفرقان : ٦٢) والثالث : اعتبار أحوال الكواكب لا سيما الشمس والقمر، فإن الشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل، وأكثر مصالح هذا العالم مربوطة بهما وقوله : كل يجري لأجل مسمى} الأجل المسمى يوم القيامة، لا يزالان يجريان إلى هذا اليوم فإذا كان يوم القيامة ذهبا، ونظيره قوله تعالى : الأجل المسمى يوم القيامة، لا يزالان يجريان إلى هذا اليوم فإذا كان يوم القيامة ذهبا، ونظيره قوله تعالى :﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ (القيامة : ٩) والمراد من هذا التسخير أن هذه الأفلاك تدور كدوران المنجنون على حد واحد إلى يوم القيامة وعنده تطري السماء كطي السجل للكتب.


الصفحة التالية
Icon