الفائدة الثانية : دلت الآية على أن المرتب على المعصية ليس حصول العقاب بل الخوف من العقاب، وهذا يطابق قولنا : إن الله تعالى قد يعفو عن المذنب والكبيرة، فيكون اللازم عند حصول المعصية هو الخوف من العقاب لا نفس حصول العقاب.
الفائدة الثالثة : دلت هذه الآية على أن ظاهر الأمر للوجوب، وذلك لأنه قال في أول الآية :﴿إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ﴾ ثم قال بعده :﴿قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ فيكون معنى هذا العصيان ترك الأمر الذي تقدم ذكره، وذلك يقتضي أن يكون تارك الأمر عاصياً/ والعاصي يترتب عليه الخوف من العقاب، ولا معنى للوجوب إلا ذلك.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٤٤٠
النوع الثالث : من الأشياء التي أمر الله رسوله أن يذكرها قوله :﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّه دِينِى﴾ فإن قيل ما معنى التكرير في قوله :﴿قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ وقوله :﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّه دِينِى﴾ ؟
، قلنا هذا ليس بتكرير لأن الأول إخبار بأنه مأمور من جهة الله بالإتيان بالعبادة، والثاني إخبار بأنه أمر بأن لا يعبد أحداً غيره، وذلك لأن قوله :﴿أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ﴾ لا يفيد الحصر وقوله تعالى :﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ﴾ يفيد الحصر يعني الله أعبد ولا أعبد أحداً سواه، والدليل عليه أنه لما قال بعد :﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ﴾ قال بعده :﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِه ﴾ ولا شبهة في أن قوله :﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِه ﴾ ليس أمراً بل المراد منه الزجر، كأنه يقول لما بلغ البيان في وجوب رعاية التوحيد إلى الغاية القصوى فبعد ذلك أنتم أعرف بأنفسكم، ثم بين تعالى كمال الزجر بقوله :﴿قُلْ إِنَّ الْخَـاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ﴾ لوقوعها في هلاك لا يعقل هلاك أعظم منه، وخسروا أهليهم أيضاً لأنهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم، وإن كانوا من أهل الجنة، فقد ذهبوا عنهم ذهاباً لا رجوع بعده ألبتة، وقال ابن عباس : إن لكل رجل / منزلاً وأهلاً وخدماً في الجنة، فإن أطاع أعطى ذلك، وإن كان من أهل النار حرم ذلك فخسر نفسه وأهله ومنزله وورثه غيره من المسلمين، والخاسر المغبون، ولما شرح الله خسرانهم وصف ذلك الخسران بغاية الفظاعة فقال :﴿أَلا ذَالِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ كان التكرير لأجل التأكيد الثاني : أنه تعالى ذكر في أول هذه الكلمة حرف ألا وهو للتنبيه، وذكر التنبيه في هذا الموضع يدل على التعظيم كأنه قيل إنه بلغ في العظمة إلى حيث لا تصل عقولكم ليها فتنبهوا لها الثالث : أن كلمة (هو) : في قوله :﴿هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ تفيد الحصر كأنه قيل كل خسران فإنه يصير في مقابلته كلا خسران الرابع : وصفه بكونه (مبيناً) : يدل على التهويل، وأقول قد بينا أن لفظ الآية يدل على كونه خسراناً مبيناً فلنبين فحسب المباحث العقلية كونه خسراناً مبيناً، وأقول نفتقر إلى بيان أمرين إلى أن يكون خسراناً ثم كونه مبيناً أما الأول : فتقريره أنه تعالى أعطى هذه الحياة وأعطى العقل، وأعطى المكنة وكل ذلك رأس المال، أما هذه الحياة فالمقصود منها أن يكتسب فيها الحياة الطيبة في الآخرة.
جزء : ٢٦ رقم الصفحة : ٤٤٠


الصفحة التالية
Icon