المسألة الثانية : قال الواحدي رحمه الله : القراءة المشهورة واقعة على التذكير في قوله ﴿بَلَى قَدْ جَآءَتْكَ ءَايَـاتِى فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَـافِرِينَ﴾ لأن النفس تقع على الذكر والأنثى فخوطب بالذكر، وروى الربيع بن أنس عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقرأ على التأنيث، قال أبو عبيد لو صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلّم لكان حجة لا يجوز لأحد تركها ولكنه ليس بمسند، لأن الربيع لم يدرك أم سلمة، وأما وجه التأنيث فهو أنه ذكر النفس ولفظ النفس ورد في القرآن في أكثر الأمر على التأنيث بقوله ﴿سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى﴾ (طه : ٩٦) و﴿إِنَّ النَّفْسَ لامَّارَة بِالسُّواءِ﴾ (يوسف : ٥٣) و(الفجر : ٢٧).
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٧٢
المسألة الثالثة : قال القاضي هذه الآيات دالة على صحة القول بالقدر من وجوه الأول : أنه لا يقال : فلان أسرف على نفسه على وجه الذم إلا لما يكون من قبله، وذلك يدل على أن أفعال العباد تحصل من قبلهم لا من قبل الله تعالى، وثانيها : أن طلب الغفران والرجاء في ذلك أو اليأس لا يحسن إلا إذا كان الفعل فعل العبد، وثالثها : إضافة الإنابة والإسلام إليه من قبل أن يأتيه العذاب وذلك لا يكون إلا مع تمكنه من محاولتهما مع نزول العذاب، ومذهبهم أن الكافر لم يتمكن قط من ذلك ورابعها : قوله تعالى :﴿الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم﴾ وذلك لا يتم إلا بما هو المختار للاتباع وخامسها : ذمه لهم على أنهم لا يشعرون بما يوجب العذاب وذلك لا يصح إلا مع التمكن من الفعل، وسادسها : قولهم ﴿نَفْسٌ يَـاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِى جَنابِ اللَّهِ﴾ ولا يتحسر المرء على أمر سبق منه إلا وكان يصح منه أن يفعله، وسابعها : قوله تعالى :﴿عَلَى مَا فَرَّطتُ فِى جَنابِ اللَّهِ﴾ ومن لا يقدر على الإيمان كما يقول القوم ولا يكون الإيمان من فعله لا يكون مفرطاً، وثامنها : ذمه لهم بأنهم من الساخرين، وذلك لا يتم إلا أن تكون السخرية فعلهم وكان يصح منهم أن لا يفعلوه، وتاسعها : قوله ﴿لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَاـانِى﴾ أي مكنني ﴿لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ وعلى هذا قولهم إذا لم يقدر على التقوى فكيف يصح ذلك منه، وعاشرها : قوله ﴿لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ وعلى قولهم لو رده الله أبداً كرة بعد كرة، وليس فيه إلا قدرة الكفر لم يصح أن يكون محسناً، والحادي عشر : قوله تعالى موبخاً لهم ﴿بَلَى قَدْ جَآءَتْكَ ءَايَـاتِى فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَـافِرِينَ﴾ فبيّن تعالى أن الحجة عليهم لله لأن الحجة لهم على الله، ولو أن الأمر كما قالوا لكان لهم أن يقولوا : قد جاءتنا الآيات ولكنك خلقت فينا التكذيب بها ولم تقدرنا على التصديق بها. والثاني عشر : أنه تعالى وصفهم بالتكذيب والاستكبار والكفر على وجه الذم ولو لم تكن هذه الأشياء أفعالاً لهم لما صح الكلام، والجواب عنه أن هذه الوجوه معارضة، بما أن القرآن مملوء من أن الله تعالى يضل ويمنع ويصدر منه اللين/ والقسوة والاستدراج، ولما كان هذا التفسير مملوءاً منه لم يكن إلى الإعادة حاجة.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٧٢
٤٧٨
علم أن هذا نوع آخر من تقرير الوعيد والوعد، أما الوعيد فقوله تعالى :﴿وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ﴾ وفيه بحثان : أحدهما : أن هذا التكذيب كيف هو ؟
والثاني : أن هذا السواد كيف هو ؟
البحث الأول : عن حقيقة هذا التكذيب، فنقول : المشهور أن الكذب هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه، ومنهم من قال هذا القدر لا يكون كذباً بل الشرط في كونه كذباً أن يقصد الإتيان بخبر يخالف المخبر عنه، إذا عرفت هذا الأصل فنذكر أقوال الناس في هذه الآية :


الصفحة التالية
Icon