﴿وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآاـاِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّـاتِهِمْ ﴾ يعني وأدخل معهم في الجنة هؤلاء الطوائف الثلاث، وهم الصالحون من الآباء والأزواج والذريا، وذلك لأن الرجل إذا حضر معه في وضع عيشه وسروره أهله وعشيرته كان ابتهاجه أكمل، قال الفرّاء والزجاج ﴿وَمَن صَلَحَ﴾ نصب من مكانين فإن شئت رددته على الضمير في قوله ﴿وَأَدْخِلْهُمْ﴾ وإن شئت في ﴿وَعَدْتَّهُمْ﴾ والمراد من قوله ﴿وَمَن صَلَحَ﴾ أهل الإيمان، ثم قالوا :﴿إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ وإنما ذكروا في دعائهم هذين الوصفين لأنه للو لم يكن عزيزاً بل كان بحيث يغلب ويمنع لما صح وقوع المطلوب منه، ولو لم يكن حكيماً لما حصل هذا المطلوب على وفق الحكمة والمصلحة، ثم قالوا بعد ذلك ﴿وَقِهِمُ السَّيِّـاَاتِ ﴾ قال بعضهم المراد وقهم عذاب السيئات، فإن قيل فعللى هذا التقدير لا فرق بين قوله ﴿وَقِهِمُ السَّيِّـاَاتِ ﴾ وبين ما تقدم من قوله ﴿وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ وحينئذ يلزم التكرار الخالي عن الفائدة وإنه لا يجوز، قلنا بل التفاوت حاصل من وجهين الأول : أن يكون قوله ﴿وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ دعاء مذكور للأصول وقوله ﴿وَقِهِمُ السَّيِّـاَاتِ ﴾ دعاءً مذكوراً للفروع الثاني : أن يكون قوله ﴿وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ مقصوراً على إزالة الجحيم وقوله ﴿وَقِهِمُ السَّيِّـاَاتِ ﴾ يتناول عذاب الجحيم وعذاب موقف القيامة وعذاب الحساب والسؤال.
والقول الثاني : في تفسير ﴿وَقِهِمُ السَّيِّـاَاتِ ﴾ هو أن الملائكة طلبوا إزالة عذاب النار بقولهم ﴿وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ وطلبوا إيصال ثواب الجنة إليهم بقولهم ﴿وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـاتِ عَدْنٍ﴾ ثم طلبوا بعد ذلك أن يصونهم الله تعالى في الدنيا عن العقائد الفاسدة/ والأعمال الفاسدة، وهو المراد بقولهم ﴿وَقِهِمُ السَّيِّـاَاتِ ﴾ ثم قالوا ﴿وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَـاـاِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَه ﴾ يعني ومن تق السيئات في الدنيا فقد رحمته في يوم القيامة، ثم قالوا ﴿وَذَالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ حيث وجدوا بأعمال منقطعة نعيماً، وبأعمال حقيرة ملكاً لا تصل العقول إلى كنه جلالته.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٤٩٧
٥٠٢
اعلم أنه تعالى لما عاد إلى شرح أحوال الكافرين المجادلين في آيات الله وهم الذين ذكرهم الله في قوله ﴿مَا يُجَـادِلُ فِى ءَايَـاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ (غافر : ٤) بين أنهم في القيامة يتعرفون بذنوبهم واستحقاقهم العذاب الذي ينزل بهم ويسألون الرجوع إلى الدنيا ليتلافوا ما فرط منهم فقال :﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ﴾ وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في الآية حذف وفيها أيضاً تقديم وتأخير، أما الحذف فتقديره لمقت الله إياكم، وما التقديم والتأخير فهو أن التقدير أن يقال لمقت الله لكم حال ما تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم وفي تفسير مقتهم أنفسهم وجوه الأول : أنهم إذا شاهدوا القيامة والجنة والنار مقتوا أنفسهم على إصرارهم على التكذيب بهذه الأشياء في الدنيا الثاني : أن الاتباع يشتد مقتهم للرؤساء الذين دعوهم إلى الكفر في الدنيا، والرؤساء أيضاً يشتد مقتهم للأتباع فعبر عن مقت بعضهم بعضاً بأنهم مقتوا أنفسهم، كما أنه تعالى قال :﴿فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ (البقرة : ٥٤) والمراد قتل بعضهم بعضاً الثالث : قال محمد بن كعب إذا خطبهم إبليس وهم في النار بقوله ﴿وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـانٍ إِلا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ (إبراهيم : ٢٢) ففي هذه الحالة مقتوا أنفسهم، واعلم أنه لا نزاع أن مقتهم أنفسهم إنما يحصل في يوم القيامة، أما مقت الله لهم ففيه وجهان الأول : أنه حاصل في الآخرة، والمعنى لمقت الله لكم في هذا الوقت أشد من مقتكم أنفسكم في هذا الوقت والثاني : وعليه الأكثرون أن التقدير لمقت الله لكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون، أكبر من مقتكم أنفسكم الآن ففي تفسير الألفاظ المذكورة في الآية أوجه الأول : أن الذين ينادونهم ويذكرون لهم هذا الكلام هم خزنة جهنم الثاني : المقت أشد البغض وذلك في حق الله تعالى محال، فالمراد منه أبلغ الإنكار والزجر الثالث : قال الفراء ﴿يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ﴾ معناه إنهم ينادون إن مقت الله لكم إذ تدعون إلى الإيمان فتأتون بالكفر أكبر من مقتكم الآن أنفسكم.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٠٢
ثم إنه تعالى بيّن أن الكفار إذا خاطبوا بهذا الخطاب ﴿قَالُوا رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ﴾ إلى آخر الآية، والمعنى أنهم لما عرفوا أن الذي كانوا عليه في الدنيا كان فاسداً باطلاً تمنوا الرجوع إلى الدنيا لكي يشتغلوا عند الرجوع إليها بالأعمال الصالحة، وفي الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon