الأول : قال المفسرون إذا هلك كل من السموات ومن في الأرض فيقول الرب تعالى :﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ﴾ ؟
يعني يوم القيامة فلا يجيبه أحد فهو تعالى يجيب نفسه فيقول ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ قال أهل الأصول هذا القول ضعيف وبيانه من وجوه الأول : أنه تعالى بيّن أن هذا النداء إنما يحصل يوم التلاق ويوم البروز ويوم تجزى كل نفس بما كسبت، والناس في ذلك الوقت أحياء، فبطل قولهم إن الله تعالى إنما ينادي بهذا النداء حين هلك كل من في السموات والأرض والثاني : أن الكلام لا بد فيه من فائدة لأن الكلام إما أن يذكر حال حضور الغير، أو حال ما لا يحضر الغير، والأول : باطل ههنا لأن القوم قالوا إنه تعالى إنما يذكر هذا الكلام عند فناء الكل، والثاني : أيضاً باطل لأن الرجل إنما يحسن تكلمه حال كونه وحده إما لأنه يحفظ به شيئاً كالذي يكرر على الدرس وذلك على الله محال، أو لأجل أنه يحصل سرور بما يقوله وذلك أيضاً على الله محال، أو لأجل أن يعبد الله بذلك الذكر وذلك أيضاً على الله محال، فثبت أن قول من يقول إن الله تعالى يذكر هذا النداء حال هلاك جميع المخلوقات باطل لا أصل له.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٠٨
والقول الثاني : أن في يوم التلاق إذا حضر الأولون والآخرون وبرزوا لله نادى منادٍ ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ﴾ فيقول كل الحاضرين في محفل القيامة ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ فالمؤمنون يقولون تلذذاً بهذا الكلام، حيث نالوا بهذا الذكر المنزلة الرفيعة، والكفار يقولونه على الصغار والذلة على وجه التحسر والندامة على أن فاتهم هذا الذكر في الدنيا، وقال القائلون بهذا القول إن صح القول الأول عن ابن عباس وغيره لم يمتنع أن يكون المراد أن هذا النداء يذكر بعد فناء البشر إلا أنه حضر هناك ملائكة يسمعون ذلك النداء، وأقول أيضاً على هذا القول لا يبعد أن يكون السائل والمجيب هو الله تعالى، ولا يبعد أيضاً أن يكون السائل جمعاً من الملائكة والمجيب جمعاً آخرين، الكل ممكن وليس على التعيين دليل، فإن قيل وما الفائدة في تخصيص هذا اليوم بهذا النداء ؟
فنقول الناس كانوا مغرورين في الدنيا بالأسباب الظاهرة، وكان الشيخ الإمام الوالد عمر رضي الله عنه يقول : لولا الأسباب لما ارتاب مرتاب، وفي يوم القيامة زالت الأسباب، وانعزلت الأرباب، ولم يبق ألبتة غير حكم مسبب الأسباب، فلهذا اختص النداء بيوم القيامة، واعلم أنه وإن كان ظاهر اللفظ يدل على اختصاص ذلك النداء بذلك اليوم إلا أن قوله ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ يفيد أن هذا النداء حاصل من جهة المعنى أبداً، وذلك لأن قولنا : الله اسم لواجب الوجود لذاته، وواجب الوجود لذاته واحد وكل ما سواه ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته، ومعنى الإيجاد هو ترجيح جانب الوجود على جانب العدم، وذلك الترجيح هو قهر للجانب المرجوح فثبت أن الإله القهار واحد أبداً، ونداء لمن الملك اليوم إنما ظهر من كونه واحداً قهاراً، فإذا كان كونه قهاراً باقياً من الأزل إلى الأبد لا جرم كان نداء ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ﴾ باقياً في جانب المعنى من الأزل إلى الأبد.
الصفة الخامسة : من صفات ذلك اليوم قوله ﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسا بِمَا كَسَبَتْ ﴾.
واعلم أنه سبحانه لما شرح صفات القهر في ذلك اليوم أردفه ببيان صفات العدل والفضل في ذلك اليوم فقال :﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسا بِمَا كَسَبَتْ ﴾ وفيه مسألتان :
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٠٨


الصفحة التالية
Icon