المسألة الأولى : في ذمة لهم بأنهم يجادلون بغير سلطان دلالة على أن الجدال بالاحجة حسن وحق وفيه إبطال للتقليد.
المسألة الثانية : قال القاضي مقت الله أياهم يدل على أن فعلهم ليس بخلق الله لأن كونه فاعلاً للفعل وماقتاً له محال.
المسألة الثالثة : الآية تدل على أنه يجوز وصف الله تعالى بأنه قد يمقت بعض عباده إلا أن ذلك صفة واجبة التأويل في حق الله كالغضب والحياء والتعجب والله أعلم. ثم بيّن أن هذا المقت كما حصل عند الله فكذلك قد حصل عند الذين آمنوا.
ثم قال :﴿كَذَالِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن عامر وأبو عمرون وفتيبة عن الكسائي ﴿قَلْبٌ﴾ منوناً ﴿مُتَكَبِّرٍ﴾ صفة للقلب والباقون بغير تنوين على إضافة القلب إلى المتكبر قال أبو عبيد الاختيار الإضافة لوجوه الأول : أن عبد الله قرأ ﴿عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ﴾ وهو شاهد لهذه القراءة الثاني : أن وصف الإنسان بالتكبر والجبروت أولى من وصف القلب بهما، وأما الذين قرأوا بالتنوين فقالوا إن الكبر قد أضيف إلى القلب في قوله ﴿إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ﴾ (غافر : ٥٦) وقال تعالى :﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى ﴾ (البقرة : ٢٨٣) وأيضاً فيمكن أن يكون ذلك على حذف المضاف أي على كل ذي قلب متكبر، وأيضاً قال قوم الإنسان الحقيقي هو القلب وهذا البحث طويل وقد ذكرناه في تفسير قوله ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامِينُ * عَلَى قَلْبِكَ﴾ (الاشعراء : ١٩٣، ١٩٤) قالوا ومن أضاف، فلا بد له من تقدير حذف، والتقدير يطبع الله على قلب كل متكبر.
المسألة الثانية : الكلام في الطبع والرين والقسوة والغشاوة قد سبق في هذا الكتاب بالاستقصاء، وأصحابنا يقولون قوله ﴿كَذَالِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ﴾ يدل على أن الاكل من الله والمعزلة يقولون إن قوله ﴿كَذَالِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ يدل على أن هذا الطبع إنما حصل من الله لأنه كان في نفسه متكبراً جباراً وعند هذا تصير الآية حجة لكل واحد من هذين الفريقين من وجه، وعليه من وجه رخر، والاقول الذي يخرج عليه الوجهان ما ذهبنا إليه وهو أنه تعالى يخلق دواعي الكبر والرياسة في القلب، فتصير تلك الدواعي مانعة من حصول ما يدعون إلى الطاعة والانقياد لأمر الله، فيكون القول بالقضاء والقدر حياً ويكون تعليل الصد عن الدين بكونه متجبراً متكبراً باقياً، فثبت أن هذا المذهب الذي اخترناه في القضاء والقدر هو الذي ينطبق لفظ القرآن من أوله إلى آخره عليه.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٢١
المسألة الثالثة : لا بد من بيان الفرق بين المتكبر والجبار، قال مقابل ﴿مُتَكَبِّرٍ﴾ عن قبول التوحيد ﴿جَبَّارٍ﴾ في غير حق، وأقول كما السعادة في غير خق، وأقول كمال السعادة في أمرين التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله فعلى قول مقاتل التكبر كالمضاد للتعظيم لأمر الله والجبروت كالمضاد للشفقة على خلق الله والله أعلم.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٢١
٥٢٣
اعلم أنه تعالى لما وصف فرعون بكونه متكبراً جباراً بين أنه أبلغ في البلادة والحماقة إلى أن قصد الصعود إلى السموات، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : احتج الجمع الكثير من المشبها بهذه الآية في إثبات أن الله في السموات وقرروا ذلك من وجوه الأول : أن فرعون كان من المنكرين لوجود الله، وكل ما يذكره في صفات الله تعالى فذلك إنما يذكره لأجل أنه سمع أن موسى يصف الله بذلك، فهو أيضاً يذكره كما سمعه، فلولا أنه سمع موسى يصف الله بأنه موجود في السماء وإلا لما طلبه في السماء، الوجه الثاني : أنه قال وإني لأظنه كاذباً، ولم يبين أنه كاذب فيماذا، والمذكور السابق متعين لصرف الكلام إليه فكأن التقدير فأطلع إلى الإله الذي يزعم موسى أنه موجود في السماء، ثم قال :﴿وَإِنِّى لاظُنُّه كَـاذِبًا ﴾ أي وإني لأظن موسى كاذباً في إدعائه أن الإله موجود في السماء، وذلك يدل على أن دين موسى هو أن الإله موجود في السماء الوجه الثالث : العلم بأنه لو وجد إله لكان موجوداً في السماء علم يديهي متقرر في كل العقول ولذلك فإن الصبيان إذا تضرعوا إلى الله رفعوا وجوههم وأيديهم إلى السماء، وإن فرعون مع نهاية كفره لما طلب الإله فقد طلبه في السماء، وهذا يدل على أن العلم بأن الإله موجود في السماء علم متقرر في عقل الصديق والزنديق والملحد والموحد والعالم والجاهل.


الصفحة التالية
Icon