جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٣٤
٥٣٧
اعلم أنه تعالى لما تكلم من أول السورة إلى هذا لاموضع في تزييف طريقة المجادلين في آيات الله، أمر في هذه الآية رسوله بأي يصبر على إيذائهم وإيحاشهم بتلك المجادلات، ثم قال :﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ وعنى به ما وعد به الرسول من نصرته، ومن إنزال العذاب على أعدائه، ثم قال :﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ﴾ يعني أولئك الكفار من أنواع العذاب، مثل القتل يوم بدر، فذلك هو المطلوب ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ قبل إنزال العذاب عليهم ﴿فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ يوم القيامة فننتقم منهم أشد الانتقام، ونظيره قوله تعالى :﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِى وَعَدْنَـاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ﴾ (الزخرف : ٤١/ ٤٢).
ثم قال تعالى :﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ﴾ والمعنى أنه قال لمحمد صلى الله عليه وسلّم : أنت كالرسل من قبلك، وقد ذكرنا حال بعضهم لك ولم نذكر حال الباقين، وليس فيهم أحد أعطاه الله آيات ومعجزات إلا وقد جادله قومه فيها وكذبوه فيها وجرى عليهم من الهم ما يقارب ما جرى عليك فصبروا، وكانوا أبداً يقترحون على الأنبياء إظهار لمعجزات الزائدة على قدر الحاجة على سبيل العناد والتعنت، ثم إن الله تعالى لم علم أن لصلاح في إظهار ما أظهره، وإلا لم يظهره ولم يكن ذلك قادحاً في نبوتهم، فكذلك الحال في اقترح قومك عليك المعجزات الزائدة لما لم يكن إظهارها صلاحاً، لا جرم ما أظهرناها، وهذا هو المراد من قوله ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا﴾ ثم قال :﴿فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِىَ بِالْحَقِّ﴾ وهذا وعيد ورد عقيب اقتراح الآيات ﴿أَمْرُ اللَّهِ﴾ القيامة هم المعاندون لذين يجادلون في آيات الله، ويقترحون المعجزات الزائدة على قدر الحاجة على سبيل التعنت.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٣٧
٥٣٧
اعلم أنه تعالى لما أطنب في تقرير الوعيد عاد إلى ذكر ما يدل على وجود الإله الحكيم الرحيم، وإلى كذر ما يصلح أن يعد إنعاماً على العباد، قال الزجاج الإبل خاصة، وقال القاضي هي الأزواج الثمانية، وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول : أنه لم أدخل لام الغرض على قوله ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا ﴾ ولم يدخل على البواقي فما السبب فيه ؟
الجواب : قال صاحب "الكشاف" الركوب في الحج والغزو إما أن يكون واجباً أو مندوباً، فهذان القسمان أغراض دينية فلا جرم أدخل عليهما حرف التعليل، وأما الأكل وإصابة المنافع فمن جنس المابحات، فلا جرم ما أدخل عليه حرف التعليل، نظيره قوله تعالى :﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ (النحل : ٨) فأدخل التعليل على الركوت ولم يدخله على الزنية.
السؤال الثاني : قوله تعالى :﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ معناه تحملون في البر والبحر إذا عرفت هذا فنقول : لم لم يقل وفي الفلك كما قال ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ (هود : ٤٠) والجواب : أن كلمة على للاستعلاء فالشيء الذي يوضع في الفلك كما يصح أن يقال وضع فيه يصح أن يقال وضع عليه، ولما صح الوجهان كانت لفظة أولى حتى يتم المراد في قوله ﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ ولما ذكر الله هذه الدلائل الكثير قال :﴿وَيُرِيكُمْ ءَايَـاتِه فَأَىَّ ءَايَـاتِ﴾ يعني أن هذه الآيات التي عددناها كلها ظاهرة باهرة، فقوله ﴿وَيُرِيكُمْ ءَايَـاتِه فَأَىَّ ءَايَـاتِ﴾ تنبيه على أنه ليس في شيء من الدلائل التي تقدم ذكرها ما يمكن إنكاره، قل صاحب "الكشاف" قوله ﴿ءَايَـاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا﴾ جاء على اللغة المستفيضة، وقولك : فأية آيات الله قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحوحمار وحمارة غريب، وهي في أي أغرب لإبهامه والله أعلم.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٣٧
٥٤٣


الصفحة التالية
Icon