السؤال الأول : ما الفائدة في قوله تعالى :﴿دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلارْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ ؟
الجواب : المقصود منه إظهار كمال القدرة والتقدير : ائتي شئتما ذلك أو أبيتما، كما يقول الجبار لمن تحت يده لتفعلن هذا شئت أو لم تشأ، ولتفعلنه طوعاً أو كرهاً، وانتصابهما على الحال بمعنى طائعين أو مكرهين ﴿قَالَتَآ أَتَيْنَا﴾ على الطوع لا على الكره، وقيل إنه تعالى ذكر السماء والأرض ثم ذكر الطوع والكر، فوجب أن يتصرف الطوع إلى السماء والكره إلى الأرض بتخصيص السماء بالطوع لوجوه أحدها : أن السماء في دوام حركتها على نهج واحد لا يختلف، تشبه حيواناً مطيعاً لله تعالى بخلاف الأرض فإنها مختلفة الأحوال، تارة تكون في السكون وأخرى في الحركات المضطربة وثانيها : أن الموجود في السماء ليس لها إلا الطاعة، قال تعالى :﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (النحل : ٥٠) وأما أهل الأرض فليس الأمر في حقهم كذلك وثالثها : السماء موصوفة بكمال الحال في جميع الأمور، قالوا إنها أفضل الألوان وهي المستنيرة، وأشكالها أفضل الأشكال وهي المستديرة، ومكانها أفضل الأمكنة وهو الجو العالي، وأجرامها أفضل الأجرام وهي الكواكب المتلألئة بخلاف الأرض فإنها مكان الظلمة والكثافة واختلاف الأحوال وتغير الذوات والصفات، فلا جرم وقع التعبير عن تكون السماء بالطوع وعن تكون الأرض بالكره، وإذا كان مدار خلق الأرض على الكره كان أهلها موصوفين أبداً بما ويجب الكره والكرب والقهر والقسر.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٥٧
السؤال الثاني : ما المراد من قوله ﴿ائْتِيَا﴾ ومن قوله ﴿ءَاتَيْنَا﴾ ؟
الجواب : المراد ائتيا إلى الوجود والحصول وهو كقوله ﴿كُن فَيَكُونُ﴾ (البقرة : ١١٧) وقيل المعنى ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف، أي بأرض مدحوة قراراً ومهاداً وأي بسماء مقبية سقفاً لهم، ومعنى الإتيان الحصول والوقوع على وفق المراد، كما تقول أتى عمله مرضياً وجاء مقبولاً، ويجوز أيضاً أن يكون المعنى لتأتي كل واحدة منكم صاحبتها الإتيان الذي تقتضيه الحكمة والتدبير من كون الأرض قراراً للسماء وكون السماء سقفاً للأرض.
السؤال الثالث : هلا قيل طائعين على اللفظ أو طائعات على المعنى، لأنهما سموات وأرضون ؟
الجواب : لما جعلن مخاطبات ومجيبات ووصن بالطوع والكره قيل طائعين في موضع طائعات نحو قوله ﴿سَـاجِدِينَ﴾ (الأعراف : ١٢٠) ومنهم من استدل به على كون السموات أحياء وقال الأرض في جوف السموات أقل من الذرة الصغيرة في جوف الجبل الكبير، فلهذا السبب صارت اللفظة الدالة العقل والحياة غالبة، إلا أن هذا القول باطل، لإجماع المتكلمين على فساده.
ثم قال تعالى :﴿فَقَضَـاـاهُنَّ سَبْعَ سَمَـاوَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ﴾ وقضاء الشيء إنما هو إتمامه والفراغ منه والضمير في قوله ﴿فَقَضَـاـاهُنَّ﴾ يجوز أن يرجع إلى السماء على المعنى كما قال :﴿طَآاـاِعِينَ﴾ ونحوه ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ (الحاقة : ٧) ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً مفسراً بسبع سموات والفرق بين النصبين أن أحدهما على الحال والثاني على التمييز.
ذكر أهل الأثر أنه تعالى خلق الأرض في يوم الأحد والإثنين وخلق سائر ما في الأرض في يوم الثلاثاء والأربعاء، وخلق السموات وما فيها في يوم الخميس والجمعة وفزع في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة، فإن قيل اليوم عبارة عن النهار والليل وذلك إنما يحصل بسبب طلوع الشمس وغروبها، وقبل حدوث السموات والشمس والقمر كيف يعقل حصول اليوم ؟
قلنا معناه إنه مضى من المدة ما لوم حصل هناك فلك وشمس لكان المقدار مقدراف بيوم.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٥٥٧


الصفحة التالية
Icon