بها من قراع الدارعين فلول المعنى أنا لا أطلب منكم إلا هذا وهذا في الحقيقة ليس أجراً لأن حصول المودة بين المسلمين أمر واجب قال تعالى :﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ﴾ (التوبة : ٧١) وقال صلى الله عليه وسلّم :"المؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضاً" والآيات والأخبار في هذا الباب كثيرة وإذا كان حصول المودة بين جمهور المسلمين واجباً فحصولها في حق أشرف المسلمين وأكابرهم أولى، وقوله تعلى :﴿قُل لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ﴾ تقديره والمودة في القربى ليست أجراً، فرجع الحاصل إلى أنه لا أجر ألبتة الوجه الثاني : في الجواب أن هذا استثناء منقطع، وتم الكلام عند قوله ﴿قُل لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾.
ثم قال :﴿إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ﴾ أي لكن أذكركم قرابتي منكم وكأنه في اللفظ أجر وليس بأجر.
المسألة الثالثة : نقل صاحب "الكشاف" : عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"من مات على حب آل محمد مات شهيداً ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنّة ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنّة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة" هذا هو الذي رواه صاحب "الكشاف"، وأنا أقول : آل محمد صلى الله عليه وسلّم هم الذين يؤول أمرهم إليه فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلّم أشد التعلقات وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل، وأيضاً اختلف الناس في الآل فقيل هم الأقارب وقيل هم أمته، فإن حملناه على القرابة فهم الآل، وإن حملناه على الأمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضاً آل فثبت أن على جميع التقديرات هم الآل، وأما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل ؟
فمختلف فيه. وروى صاحب "الكشاف" أنه لما نزلت هذه الآية قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟
فقال علي وفاطمة وابناهما، فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي صلى الله عليه وسلّم وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ويدل عليه وجوه : الأول : قوله تعالى :
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٠٤
ولنرجع إلى التفسير : أورد صاحب "الكشاف" : على نفسه سؤالاً فقال : هلا قيل إلا مودة القربى، أو إلا مودة للقربى، وما معنى قوله ﴿إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ﴾ ؟
وأجاب عنه بأن قال جعلوا مكاناً للمودة ومقراً لها كقوله لي في آل فلان مودة ولي فيهم هوى وحب شديد، تريد أحبهم وخم مكان حبي ومحله.
ثم قال تعالى :﴿وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَه فِيهَا حُسْنًا ﴾ قيل نزلت هذه الآية في أبي بكر رضي الله عنه، والظاهر العموم في أي حسنة كانت، إلا أنها لما ذكرت عقيب ذكر المودة في القربى ذل ذلك على أن المقصود التأكيد في تلك المودة.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ والشكور في حق الله تعالى مجاز والمعنى أنه تعالى يحسن إلى المطيعين في إيصال الثواب إليهم وفي أن يزيد عليه أنواعاً كثيرة من التفضيل.


الصفحة التالية
Icon