اعلم أنه تعالى لما أطنب في الوعد والوعيد ذكر بعده ما هو المقصود فقال :﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَه مِنَ اللَّه ﴾ وقوله ﴿مِنَ اللَّه ﴾ يجوز أن يكون صلة لقوله ﴿لا مَرَدَّ لَه ﴾ يعني لا يرده الله بعد ما حكم به، ويجوز أن يكون صلة لقوله ﴿يَأْتِىَ﴾ أي من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده، واختلفوا في المراد بذلك اليوم فقيل يوم ورود الموت، وقيل يوم القيامة لأنه وصف ذلك اليوم بأنه لا مرد له وهذا الوصف موجود في كلا اليومين، ويحتمل أن يكون معنى قوله ﴿لا مَرَدَّ لَه ﴾ أنه لا يقبل التقديم والتأخير أو أن يكون معناه أن لا مرد فيه إلى حال التكليف حتى يحصل فيه التلافي.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦١٦
ثم قال تعالى في وصف ذلك اليوم ﴿مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإٍ﴾ ينفع في التخلص من العذاب ﴿وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ﴾ ممن ينكر ذلك حتى يتغير حالكم بسبب ذلك المنكر، ويجوز أن يكون المراد من النكير الإنكار أي لا تقدرون أن تنكروا شيئاً مما افترفتموه من الأعمال ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا ﴾ أي هؤلاء الذين أمرتهم بالاستجابة أي لم يقبلوا هذا الأمر ﴿فَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ بأن تحفظ أعمالهم وتحصيها ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلَـاغُ ﴾ وذلك تسلية من الله تعالى، ثم أنه تعالى بيّن السبب في إصرارهم على مذاهبهم الباطلة، وذلك أنهم وجدوا في الدنيا سعادة وكرامة الفوز بمطالب الدنيا يفيد الغرور والفجور والتكبر وعدم الانقياد للحق فقال :﴿وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الانسَـانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ﴾ ونعم الله في الدنيا وإن كانت عظيمة إلا أنها بالنسبة إلى السعادات المعدة في الآخرة كالقطرة بالنسبة إلى البحر فلذلك سماها ذوقاً فبيّن تعالى أن الإنسان إذا فاز بهذا القدر الحقير الذي حصل في الدنيا فإنه يفرح بها ويعظم غروره بسببها ويقع في العجب والكبر، ويظن أنه فاز بكل المنى ووصل إلى أقاصي السعادات، وهذه طريقة من يضعف اعتقاده في سعادات الآخرة، وهذه الطريقة مخالفة لطريقة المؤمن الذي لا يعد نعم الدنيا إلا كالوصلة إلى نعم الآخرة، ثم بيّن أنه متى أصبتهم سيئة أي شيء يسوءهم في لحال كالمرض والفقر وغيرهما فإنه يظهر منه الكفر وهو معنى قوله ﴿فَإِنَّ الانسَـانَ﴾ والكفور الذي يكون مبالغاً في الكفران ولم يقل فإنه كفور، ليبين أن طبيعة الإنسان تقتضي هذه الحالة إلا إذا أدبها الرجل بالآداب التي أرشد الله إليها، ولما ذكر الله إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدها أتبع ذلك بقوله ﴿لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ والمقصود منه أن لا يغتر الإنسان بما ملكه من المال والجاه بل إذا علم أن الكل ملك الله ومله، وأنه إنما حصل ذلك القدر تحت يده لأن الله أنعم عليه به فحينئذٍ يصير ذلك حاملاً له على مزيد الطاعة والخدمة/ وأما إذا اعتقد أن تلك النعم، إنما تحصل بسبب عقله وجده واجتهاده بقي مغروراً بنفسه معرضاً عن طاعة الله تعالى، ثم ذكر من أقسام تصرف الله في العالم أنه يخص البعض بالأولاد والإناث والبعض بالذكور والبعض بهما والبعض بأن يجعله محروماً من الكل، وهو المراد من قوله.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦١٦
واعلم أن أهل الطبائع يقولوه السبب في حدوث الولد صلاح حال النطفة والرحم وسبب الذكورة استيلاء الحرارة، وسبب الأنوثة استيلاء البرودة، وقد ذكرنا هذا الفصل بالاستقصاء التام في سورة النحل، وأبطلناه بالدلائل اليقينية، وظهر أن ذكل من الله تعالى لا أنه من الطبائع والأنجم والأفلاك وفي الآسة سؤالات :
السؤال الأول : أنه قدم الإناث في الذكر على الذكور فقال :﴿وَالارْضِا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُا يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ﴾ ثم في الآية الثانية قدم الذكور على الاناث فقال :﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَـاثًا ﴾ فما السبب في هذا التقديم والتأخير ؟
السؤال الثاني : أنه ذكر الإناث على سبيل التنكير فقال :﴿يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـاثًا﴾ وذلك الذكور بلفظ التعريف فقال :﴿وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ﴾ فما السبب في هذا الفرق ؟
السؤال الثالث : لم قال في إعطاء الإناث وحدهن، وفي إعطاء الذكور وحدهم بلفظ الهبة فقال :﴿يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ﴾ وقال في إعطاء الصنفين معاً ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَـاثًا ﴾.
والسؤال الرابع : لما كان حصول الولد هبة من الله فيكفي في عدم حصوله أن لا يهب فأي حاجة في عدم حصوله إلى أن يقول ﴿وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ﴾ ؟
السؤال الخامس : هل المراد من هذا الحكم جمع معينون أو المراد الحكم على الإنسان المطلق ؟


الصفحة التالية
Icon