والجواب : عن السؤال الأول من وجوه الأول : أن الكريم يسعى في أن يقع الختم على الخير والراحة والسرور والبهجة فإذا وهب الولد الأنثى أولاً ثم أعطاه الذكر بعده فكأنه نقله من الغم إلى الفرح وهذا غاية الكرم، أما إذا أعطى الولد أولاً ثم أعطى الأنثى ثانياً فكأنه نقله من الفرح إلى الغم فذكر تعالى هبة الولد الأنثى أولاً وثانياً هبة الولد الذكر حتى يكون قد نقله من الغم إلى الفرح فيكون ذلك أليق بالكرم الوجه الثاني : أنه إذا أعطى الولد الأنثى أولاً علم أنه لا اعتراض له على الله تعالى فيرضى بذلك فإذا أعطاه الولد الذكر بعد ذلك علم أن هذه الزيادة فضل من الله تعالى وإحسان إليه فزيداد شكره وطاعته، ويعلم أن ذلك إنما حصل بمحض الفضل والكرم والوجه الثالث : قال بعض المذكرين الأنثى ضعيفة ناقصة عاجزة فقدم ذكرها تنبيهاً على أنه كلما كان العجز والحاجة أتم كانت عناية الله به أكثر الوجه الرابع : كأنه يقال أيتها المرأة الضعيفة العاجزة إن أباك وأمك يكرهان وجودك فإن كانا قد كرها وجودك فأنا قدمتك في الذكر لتعلمي أن المحسن المكرم هو الله تعالى، فإذا علمت المرأة ذلك زادت في الطاعة والخدمة والبعد عن موجبات الطعن والذم، فهذه المعاني هي التي لأجلها وقع ذكر الإناث مقدماً على ذكر الذكور وإنما قدم ذكر الذكور بعد ذلك على ذكر الإناث لأن الذكر أكمل وأفضل من الأنثى والأفضل الأكمل مقدم على الأخس الأرذل، والحاصل أن النظر إلى كونه ذكراً أو أنثى يقتضي تقديم ذكر الذكر على ذكر الأنثى، أما العوارض الخارجية التي ذكرناها فقد أوجبت تقديم ذكر الأنثى على ذكر الذكر، فلما حصل المقتضي للتقديم والتأخير في البابين لا جرم قدم هذا مرة وقدم ذلك مرة أخرى والله أعلم.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦١٦
وأما السؤال الثاني : وهو قوله لم عبر عن الإناث بلفظ التنكير/ وعن الذكور بلفظ التعريف ؟
فجوابه أن المقصود منه التنبيه على كون الذكر أفضل من الأنثى.
وأما السؤال الثالث : وهو قوله لم قال تعالى في إعطاء الصنفين ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَـاثًا ﴾ ؟
فجوابه أن كل شيئين يقرن أحدهما بالآخر فهما زوجان، وكل واحد منهما يقال له زوج والكناية في ﴿يُزَوِّجُهُمْ﴾ عائدة على الإناث والذكور التي في الآية الأولى، والمعنى يقرن الإناث والذكور فيجعلهم أزواجاً.
وأما السؤال الرابع : فجوابه أن العقيم هو الذي لا يولد له، يقال رجل عقيم لا يلد، وامرأة عقيم لا تلد وأصل العقم القطع، ومنه قيل الملك عقيم لأنه يقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق.
وأما السؤال الخامس : فجوابه قال ابن عباس ﴿يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـاثًا﴾ يريد لوطاً وشعيباً عليهم السلام لم يكن لهما إلا النبات ﴿وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ﴾ يريد إبراهيم عليه السلام لم يكن له إلا الذكور ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَـاثًا ﴾ يريد محمداً صلى الله عليه وسلّم كان له من البنين أربعة القاسم ولطاهر وعبد الله وإبراهيم، ومن البنات أربعة زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ﴿وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًا ﴾ يريد عيسى ويحيى، وقال الأكثرون من المفسرين هذ الحكم عام في حق كل الناس، لأن المقصود بيان قدرة الله في تكوين الأشياء كيف شاء وأراد فلم يكن للتخصيص معنى والله أعلم. ثم ختم الآية بقوله ﴿إِنَّه عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ قال ابن عباس عليم بما خلق قدير على ما يشاء أن يخلقه والله أعلم.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦١٦
٦١٩
اعلم أنه تعالى لما بيّن كمال قدرته وعلمه وحكمته أتبعه ببيان أنه كيف يخص أنبياءه بوحيه وكلامه وفي الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon