ثم قال تعالى :﴿وَلَاكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِى بِه مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ واختلفوا في الضمير في قوله ﴿وَلَاكِن جَعَلْنَاهُ﴾ منهم من قال إنه راجع إلى القرآن دون الإيمان لأنه هو الذي يعرف به الأحكام، فلا جرم شبه بالنور الذي يهتدي به، ومنهم من قال إنه راجع إليهما معاً، وحسن ذلك لأن معناهما واحد كقوله تعالى :﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا﴾ (الجمعة : ١١).
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦١٩
ثم قال :﴿نَّهْدِى بِه مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ وهذا يدل على أنه تعالى بعد أن جعل القرآن نفسه في نفسه هدىً كما قال :﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة : ٢) فإنه قد يهدي به البعض دون البعض وهذه الهداية ليست إلا عبارة عن الدعوة وإيضاح الأدلة لأنه تعالى قال في صفة محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ وهو يفيد العموم بالنسبة إلى الكل وقوله ﴿نَّهْدِى بِه مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ يفيد الخصوص فثبت أن الهداية بمعنى الدعوة عامة والهداية في قوله ﴿نَّهْدِى بِه مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ خاصة والهداية الخاصة غير الهداية العامة فوجب أن يكون المراد من قوله ﴿نَّهْدِى بِه مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ أمراً مغايراً لإظهار الدلائل ولإزالة الأعذار/ ولا يجوز أيضاً أن يكون عبارة عن الهداية إلى طريق الجنّة لأنه تعالى قال :﴿وَلَاكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِى بِه مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ أي جعلنا القرآن نوراً نهدي به من نشاء، وهذا لا يليق إلا بالهداية التي تحصل في الدينا، وأيضاً فالهذاية إلى الجنّة عندكم في حق البعض واجب، وفي حق الآخرين محظور، وعلى التقديرين فلا يبقى لقوله ﴿مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ فائدة، فثبت أن المراد أنه تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء ولا اعتراض عليه فيه.
ثم قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلّم :﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ فبيّن تعالى أنه كما أن القرآن يهدي فكذلك الرسول يهدي، وبيّن أنه يهدي إلى صراط مستقيم وبيّن أن ذلك الصراط هو ﴿صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِى لَه مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ ﴾ نبّه بذلك على أن الذي تجوز عبادته هو الذي يملك السموات والأرض، والغرض منه إبطال قول من يعبد غير الله.
ثم قال :﴿أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الامُورُ﴾ وذلك كالوعيد والزجر، فبيّن أن أمر من لا يقبل هذه التكاليف يرجع إلى الله تعالى، أي إلى حيث لا حاكم سواه فيجازي كلاً منهم بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦١٩
٦٢٢


الصفحة التالية
Icon