الصفة الخامسة : قوهل ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا﴾ والمقصود أن انتفاع الناس إنما يكمل إذا قدر كل أحد أن يذهب من بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم، ولولا أن الله تعالى هيأ تلك السبل ووضع عليها علامات مخصوصة وإلا لما حصل هذا الانتفاع.
ثم قال تعالى :﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ يعني المقصود من وضع السبل أن يحصل لكم المكنة من الاهتداء، والثاني المعنى لتهتدوا إلى الحق في الدين.
الصفة السادسة : قوله تعالى :﴿وَالَّذِى نَزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءَا بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِه بَلْدَةً مَّيْتًا ﴾ وههنا مباحث أحدها : أن ظاهر هذه الآية يقتضي أن الماء ينزل من السماء، فهل الأمر كذلك أو يقال إنه ينزل من السحاب وسمي نازلاً من السماء لأن كل ماسماك فهو سماء ؟
وهذا البحث قد مرّ ذكره بالاستقصاء وثانيها : قوله ﴿بِقَدَرٍ﴾ أي إنما ينزل من السماء بقدر ما يحتاج إليه أهل تلك البقعة من غير زيادة ولا نقصان لا كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أغرقهم بل يقدر حتى يكون معاشاً لكم ولأنعامكم وثالثها : قوله ﴿فَأَنشَرْنَا بِه بَلْدَةً مَّيْتًا ﴾ أي خالية من النبات فأحييناها وهو الإنشار.
ثم قال :﴿كَذَالِكَ تُخْرَجُونَ﴾ يعني أن هذا الدليل كما يدل على قدرة الله وحكمته فكذلك يدل على قدرته على البعث والقيامة ووجه التشبيه أنه يجعلهم أحياء بعد الإماتة كهذه الأرض التي أنشرت بعد ما كانت ميتة، وقال بعضهم بل وجه التشبيه أن يعيدهم ويخرجهم من الأرض بماء كالمني كما تنبت الأرض بماء المطر، وهذا الوجه ضعيف لأنه ليس في ظاهر اللفظ إلا إثبات الإعادة فقط دون هذه الزيادة.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٢٨
الصفة السابعة : قوله تعالى ﴿وَالَّذِى خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا﴾ قال ابن عباس الأزاج الضروب والأنواع كالحلو الحامض والأبيض والأسود والذكر والأنثى، وقال بعض المحققين كل ما سوى الله فهو زوج كالفوق والتحت واليمين واليسار والقدام والخلف والماضي والمستقبل والذوات والصفات والصيف والشتاء والربيع والخريف، وكونها أزواجاً يدل على كونها ممكنة الوجود في ذواتها مخدثة مسبوقة بعدم، فأما الحق سبحانه فهو الفرد المنزّه عن الشد والند والمقابل والمعاضد فلهذا قال سبحانه :﴿وَالَّذِى خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا﴾ أي كل ما هو زوج فهو مخلوق، فدل هذا على أن خالقها فرد مطلق منزّه عن الزوجية، وأقول أيضاً العلماء بعلم الحساب بينوا أن الفرد أفضل من الزوج من وجوه الأول : أن أقل الأزواج هو الإثنان وهو لا يوجد إلا عند، حصول وحدتين فالزوج يحتاج إلى الفرد وهو الوحدة غنية عن الزوج والغني أفضل من المحتاج الثاني : أن الزوج يقبل القسمة بقسمين متساويين والفرد هو الذي لا يقل القسمة وقبول القسمة انفعال وتأثر وعدم قبولها قوة وشدة ومقاومة فكان الفرد أفضل من الزوج الثالث : أن العدد الفرد لا بد وأن يكون أحد قسميه زوجاً والثاني فرداً فالعدد الفرد حصل فيه الزوج والفرد معاً، وأما العدد الزوج فلا بد وأن يكون كل واحد من قسميه وزجاً والمشتمل على القسمين أفضل من الذي لا يكون كذلك الرابع : أن الزوجية عبارة عن كون كل واحد من قسميه معادلاً للقسم الآخر في الذات والصفات والمقدار، وإذا كان كل ما حصل له من الكمال فمثله حاصل لغيره لم يكن هو كاملاً على الإطلاق، أما الفرد فالفردية كائنة له خاصة لا لغيره ولا لمثله فكماله حاصلاً له لا لغيره فكان أفضل الخامس : أن الزوج لا بد وأن يكون كل واحد من قسميه مشاركاً للقسم الآخر في بعض الأمور ومغايراً له في أمور أخرى وما به المشاركة غير ما به المخالفة فكل زوجين فهما ممكنا الوجود لذاتيهما وكل ممكن فهو محتاج فثبت أن الزوجية منشأ الفقر والحاجة، وأما الفردانية فهي منشأ الاستغناء والاستقلال لأن العدد محتاج إلى كل واحد من تلك الوحدات، وأما كل واحد من تلك الوحدات فإنه غني عن ذلك العدد، فثبت أن الأزواج ممكنات ومحدثات ومخلوقات وأن الفرد هو القائم بذاته المستقبل بنفسه الغين عن كل ما سواه، فلهذا قال سبحانه :﴿وَالَّذِى خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا﴾.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٢٨
الصفة الثامنة : قوله ﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالانْعَـامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ وذلك لأن السفر إما سفر البحر أو البر، أما سفر البحر فالحامل هو السفينة، وأما سفر البر فالحامل هو الأنعام وههنا سؤالان :
السؤال الأول : لم لم يقل على ظهورها ؟
أجابوا عنه من وجوه الأول : قال أبو عبيدة التذكير لقوله ما والتقدير ما تركبون الثاني : قال الفرّاء أضاف الظهور إلى واحد فيه معنى الجمع بمنزل الجيش والجند، ولذلك ذكر وجمع الظهور الثالث : أن هذا التأنيث ليس تأنيثاً حقيقياً فجاز أن يختلف اللفظ فيه كما يقال عندي من النساء من يوافقك.


الصفحة التالية
Icon