وأما الرجيم فمعناه المرجوم، فهو فعيل بمعنى مفعول. كقولهم : كف خضيب أي مخضوب ورجل لعين، أي ملعون، ثم في كونه مرجوماً وجهان : الأول : أن كونه مرجوماً كونه ملعوناً من قبل الله تعالى، قال الله تعالى :﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ (الحجر : ٣٤) واللعن يسمى رجماً، وحكى الله تعالى عن والد إبراهيم عليه السلام أنه قال له :﴿لَـاـاِن لَّمْ تَنتَهِ لارْجُمَنَّكَ ﴾ (مريم : ٤٦) قيل عنى به الرجم بالقول، وحكى الله تعالى عن قوم نوح أنهم قالوا :﴿لَـاـاِن لَّمْ تَنْتَهِ يَـانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ (الشعراء : ١١٦) وفي سورة يس (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) والوجه الثاني : أن الشيطان إنما وصف بكونه مرجوماً لأنه تعالى أمر الملائكة برمي الشياطين بالشهب والثواقب طرداً لهم من السموات، ثم وصف بذلك كل شرير متمرد.
وأما قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ففيه وجهان : الأول : أن الغرض من الاستعاذة الاحتراز من شر الوسوسة ومعلوم أن الوسوسة كأنها حروف خفية في قلب الإنسان، ولا يطلع عليها أحد، فكأن العبد يقول : يا من هو على هذه الصفة التي يسمع بها كل مسموع، ويعلم كل سر خفي أنت تسمع وسوسة الشيطان وتعلم غرضه فيها، وأنت القادر على دفعها عني، فادفعها عني بفضلك، فلهذا السبب كان ذكر السميع العليم أولى بهذا الموضع من سائر الأذكار، : الثاني : أنه إنما تعين هذا الذكر بهذا الموضع اقتداء بلفظ القرآن، وهو قوله تعالى :﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَـانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّه إِنَّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ وقال في حم السجدة :﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧


الصفحة التالية
Icon