ثم قال تعالى :﴿تِلْكَ ءَايَـاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ﴾ يعني أن لم ينتفع بهذه الآيات فلا شيء بعده يجوز أن ينتفع به، وأبطل بهذا قول من يزعم أن التقليد كاف وبين أنه يجب على المكلف التأمل في دلائل دين الله، وقوله ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ قرىء بالياء والتاء، واختار أبو عبيدة الياء لأن قبله غيبة وهو قوله ﴿لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ و﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ فإن قيل إن في أول الكلام خطاباً وهو قوله ﴿وَفِى خَلْقِكُمْ﴾ قلنا الغيبة التي ذكرنا أقرب إلى الحرف المختلف فيه والأقرب أولى، ووجه قول من قرأ على الخطاب أن قل فيه مقدر أي قل لهم فبأي حديث بعد ذلك تؤمنون.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٧٤
٦٧٧
اعلم أنه تعالى لما بيّن الآيات للكفار وبين أنهم بأي حديث يؤمنون إذا لم يؤمنوا بها مع ظهورها، أتبعه بوعيد عظيم لهم فقال :﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ الأفاك الكذب والأثيم المبالغ في اقتراف الآثام، واعلم ن هذا الأثيم له مقامان :
المقام الأول : أن يبقى مصراً على الإنكار والاستكبار، فقال تعالى :﴿يَسْمَعُ ءَايَـاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ﴾ أي يقيم على كفره إقاملاة بقوة وشدة عن الإيمان بالآيات معجباً بما عنده، قيل نزلت في النضر بن الحرث وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن والآية عامة في كل من كان موصوفاً بالصفة المذكورة، فإن قالوا ما معنى ثم في قوله ﴿عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا﴾ ؟
، قلنا نظيره قوله تعالى :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ إلى قوله ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ (الأنعام : ١) ومعناه أنه تعالى لما كان خالقاً للسموات والأرض كان من المستبعد أن يقابل بالإنكار والإعراض.
ثم قال تعالى :﴿كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ﴾ الأصل كأنه لم يسمعها ضمير الشأن ومحل الجملة النصب على الحال أي يصير مثل غير السامع.
المقام الثاني : أن ينتقل من مقام الإصرار والاستكبار إلى مقام الاستهزاء فقال :﴿وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَـاتِنَا شَيْـاًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا ﴾ وكان من حق الكلام أن يقال اتخذه خزواً أي اتخذ ذلك الشيء هزواً إلا أنه تعالى قال :﴿اتَّخَذَهَا﴾ للإشعار بأن هذا الرجل إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلّم خاض في الاستهزاء بجميع الآيات ولم يقتصر على الاستهزاء بذلك الواحد.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٧٧
ثم قال تعالى :﴿ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ أولئك إشارة إلى كل أفاك أثيم لشموله جميع الأفاكين، ثم وصف كيفية ذلك العذاب المهين فقال :﴿مِّن وَرَآاـاِهِمْ جَهَنَّمُ ﴾ أي من قدامهم جهنم، قال صاحب "الكشاف" : الوراء اسم للجهة التي توارى بها الشخص من خلف أو قدام، ثم بيّن أن ما ملكوه في الدنيا لا ينفعهم فقال :﴿وَلا يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْـاًا﴾.
ثم بيّن أن أصنامهم لا تنفعهم فقال :﴿وَلا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ ﴾.
ثم قال :﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ فإن قالوا إنه قال قبل هذه الآية ﴿لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ فما الفائدة في قوله بعده ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ قلنا كون العذاب مهيناً يدل على حصول الإهانة مع العذاب وكونه تظيماً يدل على كونه بالغاً إلى أقصى الغايات في كونه ضرراً.
ثم قال :﴿هَـاذَا هُدًى ﴾ أي كامل في كونه هدىً ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِـاَايَـاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ﴾ والرجز أشد العذاب بدلالة قوله تعالى :﴿فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءِ﴾ (القرة : ٥٩) وقوله ﴿لَـاـاِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ﴾ (الأعراف : ١٣٤) وقرىء ﴿أَلِيمٍ﴾ بالجر والرفع، أما الجر فتقديره لهم عذاب من عذاب أليم وإذاكان عذابهم من عذاب أليم كان عذابهم أليماً، ومن رفع كان المعنى له عذاب أليم ويكون المراد من الرجز الرجس الذي هو النجاسة ومعنى النجاسة فيه قوله ﴿وَيُسْقَى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ﴾ (إبراهيم : ١٦) وكأن المعنى لهم عذاب من تجرع رجس أو شرب رجس فتكون من تبييناً للعذاب.
جزء : ٢٧ رقم الصفحة : ٦٧٧
٦٨٠
اعلم أنه تعالى ذكر الاستدلال بكيفية جريان الفلك على وجه البحر وذلك لا يحصل إلا بسبب تسخير ثلاثة أشياء أحدها : الرياح التي تجري على وفق المراد ثانيها : خلق وجه الماء على الملاسة التي تجري عليها الفلك ثالثها : خلق الخشبة على وجه تبقى طافية على وجه الماء ولا تغوص فيه.
وهذه الأحوال الثلاثة لا يقدر عليها واحد من البشر، فلا بد من موجد قادر عليها وهو الله سبحانه وتعالى، وقوله ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِه ﴾ معناه إما بسبب التجارة، أو بالغوص على اللؤلؤ والمرجان، أو لأجل استخراج اللحم الطري.